Freitag, 23. Juli 2010

Zoro Seîd Yûsiv - Yar Yar - New Clip 2010

Montag, 23. Juni 2008

Ednan Seîd

Mittwoch, 11. Juni 2008

Bave Teyar .

Bave Teyar

Mittwoch, 4. Juni 2008

Sonntag, 1. Juni 2008

Donnerstag, 29. Mai 2008

Dr. Roland Bell, M.A.: Chaukeddin Issa - Das Yezidentum. Religion und Leben

Hinter dem Autor steht als Herausgeber das Yezidische Forum e.V. Oldenburg.
Das Buch soll der wenigen deutschsprachigen Literatur zum Yezidentum „eine gewichtige Selbstdarstellung“ hinzufügen, die „einen umfassenden Einblick in die Religion und das Leben der Yeziden (gibt) - in einer Form, wie sie bisher noch nicht veröffentlicht wurde.“1

Die Religion stellen Issa und Gastautoren auf gut 130 Seiten in 22 Unterkapiteln dar. Hier werden etwa Ursprünge, heilige Bücher, Schöpfungsgeschichte und Tausi-Melek2 behandelt. Auch auf die Führung der Gemeinschaft, auf religiöse Regeln und Gebote, bedeutende historische Persönlichkeiten sowie das Verhältnis zu Juden, Zarathustriern, Christen und Muslimen geht der Autor ein.

Nach diesem Teil folgen rund 30 Seiten Gastbeiträge zur Lage der Yeziden im Irak, in der Türkei, in Syrien, Georgien und Armenien sowie zur Asylpraxis in Deutschland, bevor ein zusammenfassender Ausblick gegeben wird.

Die Situation der Yeziden in Armenien wird als bedrängt beschrieben. Bei den anderen Ländern gehen die Einschätzungen darüber hinaus. Gefährdet seien Yeziden im Irak in einer Weise, die die der übrigen Bevölkerung weit übersteige. Es wachse die Gefahr massenhafter Verfolgung vor allem in Regionen, in denen keine institutionelle Macht ein Mindestmaß an Rechtlichkeit durchsetzen könne (S. 179). In der Türkei, Georgien und Syrien sei von Gruppenverfolgung auszugehen. Widerrufe des Flüchtlingsstatus müssten abgelehnt werden. Kritisch bewertet ein Gastautor die deutsche Asyl- und Ausländerpraxis. Hier wären „Flüchtlinge von dem gnadenlosen Verteilungssystem für Asylbewerber namens EASY (...) in der Bundesrepublik ausgesetzt“ worden (S. 189). „Da blieb manche Familie isoliert in Gegenden hängen, in denen Käfighaltung auch für Menschen der Standard war“ (S. 190). Der Autor konstatiert weiter: „Es muss ein parkinsonsches Gesetz geben, wonach freundliche Menschen in Behörden von solchen verdrängt werden, die ihre Kundschaft hassen.“ (S. 194). In diesem Zusammenhang wird von „Misshandlung“ (S. 194) und „Verfolgungen“ (S. 195) gesprochen. Dem Bundesamt wird vorgeworfen, in seinen Widerrufsanschreiben sei „nicht selten“ von „Abschiebung die Rede“3 (S. 192).

Differenzierter äußert sich demgegenüber der Gastautor Tolan in seiner Zusammenfassung. Er stellt fest: „Die Integration der Yeziden verläuft nicht immer reibungslos, sie ist aber gerade bei der zweiten Generation sehr weit fortgeschritten.“ (S. 202). Auch dazu, was von Medien und Interessenvertretern oft übersehen oder nicht erwähnt wird, äußert sich Tolan: „Ein wesentliches Ziel der Yeziden ist die Einbürgerung, und dem Teil, der aus der Türkei stammt, ist dies auch in großem Umfang gelungen. Den Yeziden aus anderen Ländern, die oft jahrelang mit Duldung existieren, 4 ist dieser angestrebte Weg der Einbürgerung rein rechtlich meist versperrt. Gleichwohl werden auch sie ihr weiteres Leben in Deutschland verbringen, Abschiebungen sind derzeit kaum möglich. (S.203). Rund 80 Seiten religiöse Texte (Qewls5) sowie eigene Gedichte Issas schließen das Buch ab.

Dr. Roland Bell, M.A.
1 www.yezidi.org/ . Eine prägnante Darstellung der Religion bietet der EE-Brief 1/2001, S. 1 f. u. 3/2001, S. 4 f.
2 Gottengel, der in Vogelgestalt, als Pfau, dargestellt wird. Es ist verboten, den Namen des Teufels (shaitan) auszusprechen, da aus ihm der göttliche Tausi-Melek (auch Melek Ta ’us) wurde (s. EE-Brief 1/2001, S. 1).
3 Sofern eine Aufenthaltsbeendigung ausscheidet und keine besonderen Umstände vorliegen (z.B. § 3 II AsylVfG), führt das Bundesamt Widerrufsverfahren grundsätzlich nur bleiberechts neutral durch, d.h. ohne eine Entscheidung zu § 60 II ff. AufenthG. Damit fehlt es schon an einer notwendigen Voraussetzung für aufenthaltsbeendende Entscheidungen, die zudem nicht das Bundesamt, sondern die Ausländerbehörde zu treffen hätte. Eine etwaige Aufenthaltsbeendigung ist nicht mit einer Abschiebung gleichzusetzen (§ 58 I AufenthG).
4 Diese Aussage ist heute zu pauschal. Seit dem ZuwG soll Ausländern eine Aufenthaltserlaubnis erteilt werden soll, wenn ein Abschiebungsverbot nach § 60 II, III, V, VII vorliegt (§ 25 III 1 AufenthG).
5 Religiöse Gedichte, Erzählungen und Lobhymnen zur Weitergabe der Religion, „religiöses Gedächtnis der Yeziden“ (Rashow, S. 87 mit näheren Erläuterungen).

Chaukeddin Issa
Das Yezidentum. Religion und Leben, Oldenburg
2007, 291 S. • 14,50,
ISBN 978-3-98107-514-4

Quelle: Entscheidungen Asyl - Ausgabe: 4/2008 25.04.2008 / Herausgeber:Bundesamt für Migration und Flüchtlinge

زهير كاظم عبود طاؤوس ملـك رئيس الملائكة لدى الأيزيدي الفصل الأخير

من أستعراض بعض جوانب الفلسفة التي تؤمن بها الأيزيدية ، يتضح لنا بما لايقبل الشك أنهم يعتقدون أن الله هو الخالق الأزل ، وان الله خالق الكون والملائكة والبشر ، وأنه زرع الخير في عقول وقلوب الناس ، وان الله سخر الملائكة لتدبير أمور الكون ، وأن الأنسان حينما يموت فانه يحل في جسد آخر حتى يحل يوم الحساب الاخير ، حيث يعتقدون ان روح الأنسان لاتبقى هائمة أو مؤجلة انما يتم تطبيق العذاب الأول عليها قبل أن يحل الحساب الأخير ، والروح الخيرة تحل في جسد سعيد ومرتاح ، والروح الشريرة تحل في جسد حيوان او غيره من الهوام ، وأن ( طاؤوس ملك ) هو أحد الملائكة المقربين جداً الى الله ، وتعتقد الأيزيدية بان الله يملك ان يرفع الشرور عن الناس ويمنعه عنهم ، مثلما يستطيع ان ينشر الخير بينهم ، ويستطيع ان يأمر فيكون له الأمر ، ولذا تكون الأدعية وهي عبارة عن مطالب ينشدها الأنسان من الله ، مباشرة او بواسطة الاولياء ، ومثلما لاتؤمن الأيزيدية بأن الملاك ( طاؤوس ملك ) هو المكلف بنشر الشرور بين البشر ، ولايمكن أن يتسلط كملاك لينشر الشر وفق سلطته تلك ، لأن الشر نتاج تصرفات الأنسان .
كما ان الأيزيدية تؤمن بأن الله كتب لكل أنسان كتابه وكل مايحدث هو من عند الله في الولادة والزواج والوفاة لاخيار للانسان فيها .
وأن فكرة الطاؤوس ملك هي فكرة قديمة بقيت متلازمة مع حياة الأيزيدية ، وتعتبر الطقوس التي يمارسها الأيزيدية جزء مهم من الموروث الشعبي الأيزيدي التي يحرص على ممارستها ، تتشكل من خلال الاعراف الأجتماعية المتوارثة أو من خلال ما فرضته المقدسات في ديانتهم .
وشكلت حصيلة القرون الفائتة من حياة الأيزيدية علاقة جدلية بين الناس وتمثال الطاووس ملك ، كما شكلت السنوات الغابرة تمسكاً يشتد كلما أشتد الزمن قساوة ومحنة ضدهم ، فقد ميزت الشخصية الأيزيدية تمسكها بطقوسها البسيطة ، بالإضافة إلى ما سطرته الأساطير الشعبية من مشاعر أنسانية وأحاسيس ومفاهيم ذات دلالة أخلاقية ، جميعها تتعلق بشروطها التاريخية التي تدخلت في تلك الأساطير .

كما تميزت الشخصية الأيزيدية بالأنغلاق والخشية وفقدان الثقة ، من خلال الحملات الدينية او العسكرية المستمرة ضدهم ، وساهمت تلك الأمور في تراجع الوضع الثقافي والديني ، وضيعت عليهم العديد من القضايا التي يمكن ان تساهم في تثبيت معالم ديانتهم ، وتطوير موروثها الأجتماعي ، وتوضيحها بشكل عريض ، كما يحدث اليوم بعد زمن مرير .

ويمكن متابعة المحن العديدة التي جرت ويلاتها على الأيزيدية والتي أريد منها على الأقل تغيير ديانتهم والتحول عنها جبرا وقسرا ، بالأضافة الى ترك ممارسة الطقوس الدينية الرمزية المتمثلة بطاؤوس ملك وغيرها من الطقوس الدينية ، وبالأضافة الى محاولات تغيير قومية الأيزيدية التي مارستها ضدهم سلطات غاشمة لأسباب سياسية ، سواء بالترغيب او بالترهيب ، وبعد أستعراض هذه المحن نستطيع ان نقول بأزدياد تمسك الأيزيدية بشكل لافت للنظر بممارسة الطقوس الدينية بحكم التزاماتهم الدينية وأيمانهم ، وتمسكهم أكثر بديانتهم رغم كل ماتحمله الأيزيدي ومالاقته الديانة من تعسف وظلم ، والأصرار على التمسك أيضا بقوميتهم الكردية بأعتبارها الحقيقة التي لم تستطع جهات عدة ان تغيرها ، ليس بنتيجة رد الفعل أنما بسبب تغلغل العقيدة ورمزيتها في عمق النفس الأيزيدية ، وبسبب حقيقة تلك القومية وأرتباطهم بها ، والتي تؤكدها كتبهم الدينية وترانيمهم وأناشيدهم المكتوبة بالكردية ، بالإضافة إلى عشائرهم الكردية الأصيلة .

وقيلت العديد من الأفكار والأتهامات بحق ديانتهم وبحق طاووسهم ورجال دينهم وبحق جميع رموزهم ، الا أن التطور التاريخي والأجتماعي والثقافي أظهر أن العديد من هذه الاتـهامات لاسند لها من الصحة ، فالأيزيدية لاتعتبر الطاووس ملك هو الله لأنه لايرقى الى مستوى الاله العظيم ، وانه الملاك الكبير والقريب الى الخالق حسب مايعتقده الدين الأيزيدي ، وهو نفسه رئيس الملائكة ، ويتحدد في موقعه الكوني من خلال قربه من الاله الكبير .
يقول الأيزيدي في الدعاء :
يارب أنت الاله !
يارب انت رب السماء
رب الشمس والقمر
رب جميع المخلوقات
انك رب العطاء
يارب انت خلقت نفسك بنفسك

وفي دعاء آخر يذكر في ( قولي طاووسي ) ضمن دعاء الطاووس ملك :

"ربِّ، ملك الملك الكريم.

ملك العرش العظيم.

ربِّ قديمٌ منذ الأزل.

ربِّ قدس الأقداس.

لك المديح والثناء.

ربِّ، كلُّ الجهات،

تؤدي إليك..

يارب العالمين"

إن هذه السبقات تؤكد بجلاء تداخل سيماء شخصية خوده دي/الإله، مع سيماء شخصية طاووسي ملك، إلى درجة الحلول والتماهي. ففي ذات الوقت الذي يُنظر إلى طاووسي ملك لاهوتياً، على أنه ذاته في مستوىً، يُنظر إليه على أنه الآخر/الله (خوه دي) أيضاً في مستوى ثانٍ، ورغم أن السبقات المارة ذكرها، هي مقاطع من (( قه ولي طاوسي مه له ك/دعاء طاووس ملك )) ، إذ يبدو فيه هذا الإله على أنه ذاته في مستواه الأول، فإن الملامحَ التي يستقرؤها المرء/القارىء من بين ثنايا النص ودهاليزه، هي ملامحُ الإله الراجح في مستواه الثاني، أي ملامح طاووسي ملك بكونه الله ذاته/ خوده دي. لهذا يصعب على الإنسان الإيزيدي، الفصل بين حدود إيمانه بالله وحدود إيمانه بـ طاووسي ملك، فالتعالق الميثي بين شخصية الله، وشخصية طاووسي ملك في وعي الإيزيدي، له مرجعيته اللاهوتية والأثيولوجيـة الضاربة في أعماق التاريخ والإسطورة على حد سواء. ( 1 )

يقول الكاتب الدكتور خليل جندي :
تكاد تكون مسألة طاؤوس ملك أو أبليس كما ينعته المخالفون للديانة الأيزيدية ، من أعقد المسائل التي عالجتها ميثولوجيا الشعوب ومن ثم الاديان ، وهي قديمة قدم ظهور الافكار الدينية ، وهناك فرق شاسع بين تصورات الديانة الايزيدية حول فكرة امتلاكهم طاؤوس وبين اتهامات الديانات المخالفة لها . ( 2 )
ويعتقد الايزيدية بان الله خلق ( طاؤوس ملك ) في أول يوم اربعاء من شهر نيسان الشرقي ، ولهذا يحتفل الايزيدية بهذا اليوم في كل عام ، بأعتباره عيداً لرأس السنة ويسمونه ( سرصالي ) ، ويسميه بعض عيد ملك الزين أوالاربعاء الاحمر ، وبهذا العيد تبدأ السنة الجديدة الشرقية الايزيدية حيث تسبق السنة الميلادية بـ 13 يوماً .
أن فلسفة الديانة الأيزيدية تخالف الديانة الأسلامية في قضية الخلق ومخالفة أمر الباري بالسجود لآدم ، حيث تعتقد الأزيدية أن الله جل وعلى أراد أن يختبر ذكاء الملاك عزازيل ( والذي هو طاووس الملائكة ) ، حين أمره أن يسجد لادم ، وهو الذي كان قد أمر الملائكة أن لايسجدوا لسواه ، فخر الملائكة جميعهم ساجدين الا عزازيل ، ولما سئل عن أسباب الأمتناع عن السجود ، برر للخالق بأنه لايسجد لغيره مهما كانت قيمته ومنزلته ولايمكن أن يساويه مع مخلوق من طين ، كما أنه أي الملاك عزازيل مخلوق من النور كجزء من الذات الألهية ، ولايمكن للنور أن يسجد للتراب أو للطين ، وبهذا تعتقد الأيزيدية أن الملاك عزازيل نجح في الأختبار وأمره الباري بتدبير أمور الدنيا . اما الأسلام فالقصة تخالف تفسير الأيزيدية ضمن نص مكتوب في سور القرآن الكريم .
غير أن مايوضح فكرة الأيزيدية ويزيدها تبسيطاً يكمن في عدم تقبلهم الشتم والنعت بأي صفة أو صيغة كانت ، لذا فهم لايشتمون أي ملاك أو أي شيخ أو ولي أو أي دين أو مذهب ، بل يرفضون البصاق على الأرض لما لقدسية التراب عندهم .
غير أن المهم في الأمر متابعة التاريخ الحقيقي لقضية التماثيل التي يصر الأيزيدية على أنها كانت سبعة سناجق وأن لكل منطقة تمثال ، وكنتيجة طبيعية للغزوات والمعارك التي خاضتها الأيزيدية ونتيجة للأخفاء والطمر فقد فقدت منهم ولم يتبق منها سوى أثنين .
كما تشير الأشكال الموجودة فعلاً لطاووس ملك أن اشكالها قديمة وتتمتع بالبساطة ، مثلما تتميز الطقوس التي تمارس وفقها بالبساطة أيضاً ، ومن يتمعن في تلك الطواويس يدرك بشكل لالبس فيه ، انها تماثيل تعود إلى عصور قديمة لبدائية أشكالها وبساطة تكوينها .
ولم تكن الطقوس التي يقوم بها الأيزيدية بحضور تمثال ( الطاؤوس ملك ) بمعزل عن ديانتهم ، حيث يشكل الطاووس فصلاً خاصاً يدخل فيه بعض خصوصيتهم ، مما يستوجب محاولة القيام بالكشف عن الصلة والتأثير المتبادل في الآراء بينهم وبين الديانات الموغلة في القدم أولاً ، وبينهم وبين الديانات التي التزمت أحكامها بقصص مغايرة ومختلفة عنهم ونقاط الألتقاء معهم .
وتتميز الايزيدية باعتقادها بتعدد الالهة الاعوان ، أي الملائكة الذين سخرهم الرب لأدارة شؤون البشر ، وهذه الملائكة جميعهم يتبعون رئيساً لهم من أقربهم الى الله وهو الطاؤوس ملك أو عزازيل فهو رئيس الملائكة ، ويبدو أن ظاهرة الأيمان بوجود ملائكة متخصصين بشؤون البشر يرجعون في تصرفاتهم الى الله ، ظاهرة موغلة بالقدم وقد ترتبط بالظواهر الأيمانية والأعتقادية التي كانت سائدة في المنطقة منذ القديم ، حيث كان أله للشمس وأله للقمر وأله للفيضان واله للظلام مثلما هناك اله للظلم واله للحرب ، كما تتميز الأيزيدية كونها ديانة منغلقة على نفسها لاتقبل الانتماء والأنضواء تحت عقيدتها من قبل الأغراب ممن كان من دين آخر وترك دينه أو طرد لشتى الأسباب ، حيث أن الأيزيدي يشـترط ان يكون مولوداً من ابوين أيزيدين ، كما يخرج من ديانتهم أي رجل تزوج أمراة من غير الأيزيدية أو تزوجت المرأة غير الأيزيدي .
تشكل قضية البداء التاريخي لظاهرة الطاووس ملك مسألة غاية في الصعوبة لعدم توفر المصادر التي تشير الى هذا الجانب أولا ، وعدم وجود كتب دينية مكتوبة للأيزيدية يتم إعتمادها والأستناد عليها في الوقت الحاضر ثانياً ، بالاضافة الى الأعتماد في المرويات من القصص على حفظ رجال الدين الشفاهية ، وحيث أن الطقوس لابد لها من جذور نبعت منها ولايعقل ان تكون قد حلت سائبة دون أساس ، كما أنه لايمكن معرفة التفاصيل والمعاني الدقيقة لهذه الطقوس مالم يتم الكشف عن أسس الرمزية ومدى متانة علاقتها بالعقيدة أو مدى ما أخذته من الأساطير بحكم التراكم الزمني والأستمرار في الالتزام بممارستها .
وظاهرة مثل ظاهرة زيارة الرمز الديني لتمثال الطاووس كل عام من مكانه الى القرية التي سيحل فيها وأحتفاء الناس بحامل الرمز ومسايرتهم للموكب ، تشابه الى حد ما مواكب العراقيين القدماء حين يسايرون المواكب الدينية حتى المعابد ، والطقوس التي تمارسها الأيزيدية لم تأت من فراغ أنما تستمد اساسها من طقوس بدائية قديمة .
يقول الكاتب هوشنك بروكا من المانيا :
(( بالرغم من علوِّ شأن طاووس ملك، بإعتباره إلهاً كلي القدرة في الديانة الإيزيدية، إلا أنه لايزال كفكرة لاهوتية أصلية، يعوم في جو من الضبابية والسرّانية الملغزة، سواءً على مستوى الباحث الخبير، أو على مستوى المؤمن المستسلم لأقداره. قلّةٌ قليلةٌ من الباحثين والدارسين، حاولوا الإبحارَ في هذا "الشمال"، ربما لصعوبة عبوره، فبات شمالاً إشكالياً بين كَرِّ الخالق، وفَرِّ المخلوقِ. لذا فطرقُ باب موضوع شديد الحساسية كهذا، لا بدّ وأن يفتحَ المجالَ أمام العديد من الإشكاليات. وأولى هذه الإشكاليات، هي إشكالية المصطلح، وفي خصوص الإشكالية الإصطلاحية حول أصل فكرة طاووسي ملك/تاوز، )) .( 3 )
وحقاً أن الموضوع شائك ومتعدد الأشكاليات ، ولم يتطرق اليه بشكل تفصيلي أحد من الكتاب الذين تناولوا موضوعات الأيزيدية ، أذ جائت أغلب الدراسات بشكل عابر وبشكل غير تفصيلي ، يبتعد عن معالجته العديد من الكتاب ، ويعتبر التعرض له نوعا من المغامرة او التوريط ، وقد يكون الكاتب بروكا والدكتور خليل جندي على حق في عدم الغور بعيداً في هذا الجانب القديم ، والذي يحتاج الى بحث أكثر عمقاً وأبعد غوراً لأستكشاف حقائق عديدة مدفونة ضمن تلال الأيزيدية ، التي بالغ الأعداء في طمرها وتعمد اخفائها في صفحات التاريخ القديم والحديث ، غير أن عملية البحث عن الحقيقة لاتمنع من الغور بعيدا في تلك الجوانب ، بالإضافة إلى محاولة أيقاد شمعة في البحث ضمن النفق المظلم ، لتنير الطريق لما سيكتبه المستقبل .
فقد تعرضت الأيزيدية ورموزها وحتى طقوسها للأفتراءات والكذب والتشنيع ، وكما تعرضت أرواح معتنقيها للفناء والقتل والذبح بسبب العقيدة ، فقد تعرضت رموزهم الدينية البسيطة بما فيها التمثال الخاص بطاؤوس ملك الى المصادرة والسرقة والأتلاف ، اسوة بكل المقدسات التي كانت تتعرض للتخريب المتعمد والأنتقام المريض البعيد عن العقل والوجدان .
وتقع على عاتق علماء الآثار والمؤرخين والمهتمين بكتابة التاريخ منهم ، مهمة نفض غبار هذه الأقاويل ، واماطة اللثام عن الوجه الحقيقي لهذه الديانة وطقوسها البدائية البسيطة في حضارات هذه المنطقة القديمة، ودورها في قيام الحضارة منذ بزوغ فجرها أبان العصور الحجرية ومن ثم العصور التاريخية اللاحقة .
ويبدو أن أسم عزازيل لم يأت من اللغة العربية ، فقد اقتبس المسلمين من اليهود لقب ملك الموت الذي يطلقونه على الملاك عزرائيل لأن اليهود يطلقون عليه هذا اللقب بالعبري. ويتفق الفريقان على اسم هذا الملاك، ولا يوجد بشأنه سوى اختلاف زهيد بينهم . فاليهود يسمونه (سمائيل) والمسلمون يسمونه ((عزرائيل )) . غير أن كلمة ((عزازيل )) ليست عربية بل هي عبرية، ومعناها ( نصرة الله ) . ولم يرد اسم هذا الملاك في التوراة والإنجيل ولا في القرآن . فيتضح أن اليهود اقتبسوا معلوماتهم عنه من مصدر آخر، والأرجح أن مصدر معلوماتهم هو (( الأفِستا )) ، التي ورد فيها أنه : إذا وقع إنسان في الماء أو في النار أو في أي شيء من هذا القبيل فغرق أو احترق، فلا يكون سبب موته الماء أو النار، بل ملاك الموت ، لأنهم زعموا أن عنصري الماء والنار صالحان ولا يؤذيان الناس. ويسمى ملاك الموت بلغة الأفِستا . (انظر كتاب (( الونديداد )) (فصل 5 الأسطر 25-35).
يتضح من الأحاديث ومن كتب الزرادشتية أن الطاووس وافق من بعض الوجوه عزازيل الذي هو أهرمن، لأنه ورد في (( قصص الأنبياء )) أنه لما جلس عزازيل أمام باب الجنة ورغب في الدخول فيها رأى الطاووس الذي كان جالساً على الجنة واحداً يتلو أسماء الله العظمى الحسنى. فسأله الطاووس: من أنت؟ فقال له: أنا أحد ملائكة الله. فسأله الطاووس: لماذا أنت جالس هنا ؟ فقال له عزازيل: أنظر الجنة وأتمني الدخول فيها. فقال له الطاووس: لم أؤمر بإدخال أحد إلى الجنة ما دام آدم عليه السلام فيها. فقال له: إذا كنت تأذن لي بالدخول فيها أعلّمك صلاة من تلاها نال ثلاثة أشياء: أحدها أنه لا يكبر، وثانيها أنه لا يصير عاصياً، وثالثها أنه لا يطرد من الجنة . فأخبره إبليس بهذه الصلاة فتلاها الطاووس فطار من سور الجنة إلى الجنة ذاتها وأخبر الحية بما سمعه من إبليس. وذكر بعد هذا أنه لما أهبط الله آدم وحواء وإبليس من الجنة إلى الأرض طرد الطاووس معهم أيضاً. أما قصة الطاووس في كتب الزرادشتية فتختلف عن هذا .
ومهما كان الأمر في هذه القصص أو في تعدد الأسماء التي أوردنا قسم منها ضمن بحثنا هذا ، فأن التجسيد الرمزي لتمثال الطاووس الموجود حالياً بحوزة الأيزيدية لايمثل قطعاً الدلالة على كونه يمثل الاله الكبير الذي يطلق عليه باللغة الكردية ( خودا ) وهو الله العلي القدير باللغة العربية ، وأنما تجسيد ورمز لطاووس ملك بأعتباره الملاك المقرب الى الله ، وكذلك بأعتباره رئيس الملائكة المتميز عليهم .
وأن قصة عبادة الطاووس بديلاً عن الله لاسند لها من الواقع في الديانة الأيزيدية ، حيث تؤكد الأيزيدية بما لايقبل الشك عبادتها لله الواحد الأحد خالق الأكوان والأنسان والحيوان والملائكة ، وأن الملائكة يستمدون وجودهم من نور الله ومن ذاته الالهية ، أن طاؤوس ملك هو كبير الملائكة ورئيسهم وانه مخلوق من النور ، وأن المجموعات التي خرجت في مناطق من الشرق العربي أو في أوربا تعبد أبليس أو الشيطان أو تقدسه بأي شكل كان وبأي صفة كانت لاتمت لهم بأية صلة .
كما أن الأيزيدية لاتقبل هذه المجموعات في دينها مطلقاً لكونها من الديانات المغلقة المقتصرة على ابنائها ، ومن غيرالديانات التبشيرية ، لذا فأن الأتهامات والتخرصات التي توجه لهم بسبب ظهور بعض المجموعات والأرهاصات الدينية أو العقائدية لاتتعلق بديانتهم ولايتحملون نتائجها ، بالرغم من أستغلالها أستغلالا سيئا من قبل بعض الكتاب ورجال الدين وبعض الصحف العربية .

ولم تكن فكرة الرمزية التي أتسمت بها الطقوس الأيزيدية بعيدة عن الممارسة الدينية للجماعات المتوطنة في الشرق ألأوسط او الديانات القديمة في الشرق عموماً ، فقد كانت تلك المجموعات على الدوام تعتمد الرمزية في طقوسها وفي عباداتها .

ويمكن ان نخلص الى أن الأصل في الديانات هو إلأحساس الكامن في أعماق النفس الإنسانية ، وهذا الإحساس نابع من جذور عميقة تتداخل فيها بالأضافة الى مكونات النفس البشرية والتقبل الروحي للعقيدة فأنها تتأثر بشكل واضح بمحيطها الأجتماعي والأنساني ، لتظهر على شكل تعابير وطقوس وترانيم وعبادات تكون العقيدة أساسها بشكل كامل وكلِّي، ثابت لايمكن ان يتغيَّربيسر وسهولة مهما كانت قوة المتغيِّرات ، ومن خلال ثباته يمكن ان تظهر المتفرعات و تنشأ المتحوِّلات ولكنها لايمكن ان تلغي العقيدة برمتها . ويمكن ان نعتبر الطقوس والرموز في أية ديانة من الديانات جزء ميثولوجي من العلاقة الانسانية بين الأعتقاد المادي والروحي ، وحيث تحل في الذهن فكرة الإله الواحد ، فأن الأيزيدية التي ظلمت وأخفيت حقيقة عبادتها وتوحيدها لله الواحد الأحد ، من ضمن هذه الديانات التي تلتزم بالقـيم الروحية ، وتتداخل فيها الطقوس والرمزية ، بحيث أضحت الرمزية جزء من مظاهر ومعالم هذه الديانة ، تشكل جزء من الأعتزاز الشعبي والأعراف الدينية التي تحيط بها ، وتعكس أتباع الديانة الأيزيدية ذلك في التبجيل والقدسية التي يظهرها الناس خلال زيارة الطاؤوس ملك الى القرى الأيزيدية ، والذي يشكل ويجسد الصور والرموز. هذه الصور والرموز تعني الميثولوجيا الأيزيدية والأيمان الروحي .

وليس فقط الأيزيدية من يشغلها الطاؤوس ملك أو عزازيل ، إنما أنشغل الصوفية من المسلمين بذلك أيضا ، ويذكر أن الحلاج ، الحسين بن المنصور المتوفى 309 هـ /922 م يقول في طواسينه :

جحودي فيك تقديس وعقلي فيك تهويس

ومـــا آدم الاك ومن في البين أبليس

وليس أدل من أرجاع كل متطور وجديد في الحياة من قبل رجال الدين إلى أبليس ، وربما ان القوة الخارقة التي يصنفها بعض رجال الدين اليه والى أتباعه ، دليل على حجمه في العقل البشري وخصوصا في الدائرة التي يعيش ضمنها الأيزيدية .

ولعل العزوف عن التطرق عن حقيقة الديانة الأيزيدية عموما من قبل كتاب التاريخ ، ما يجعل تلك التخرصات والأتهامات غير الحقيقية تطغي وتنتشر ، فقد أضفت كتب التاريخ سحابة من الغيوم حول حقيقة هذا الدين ، وعن حقيقة الرمزية في طاؤوس ملك ، وظهرت تلك الأفكار التي تعاديهم وتعلن عدم حياديتها في محاربتهم ولو بالكلمة والتدوين التاريخي .

لايختلف أحد على أن الأيزيدية من الكورد ، وكانوا ولم يزلوا وسيبقون في منطقة كوردستان العراق ، وانتشروا أيضا في مناطق تركيا وسوريا وأرمينيا ، وأنهم يؤمنون بديانة لها خصوصية تعيش جنبا الى جنب مع العديد من الديانات القديمة في المنطقة ، وان هذه الديانة تجعل لبقعة من الأرض معينة في كوردستان قدسية كبيرة ، وهي منطقة لالش ، ولهذا فأن مركز الديانة الأيزيدية تكون ضمن هذه الدائرة .

ولا يختلف احد أيضا على الوقعات التاريخية التي جرت عليهم ، والمجازر والمذابح التي تحملها مجتمعهم بسبب تمسكهم بعقيدتهم وعدم التحول عنها بالقوة والقسر ، ولم تزل تتحمل النكبات والويلات التي تقترفها عقليات متطرفة ومنحرفة لحد اليوم .

غير أن أحدا لم يسأل نفسه عن الأسباب التي دفعت المؤرخين وكتبة التاريخ إلى إلغاء وشطب كل ما له علاقة بالتأريخ اليزيدي ، فلا حضور للأيزيدي في كل المتغيرات التاريخية ، ولا أثر للأيزيدي في مراحل التاريخ القديم والحديث ، بالرغم من أن الكتابات التاريخية التي كتبت عنهم عبرت عن وجهة نظر غير محايدة ولا تمثل الحقيقة ، وصارت تلك الكتابات التاريخية ما توزعهم دون غيرهم على القوميات ، فصيرتهم مرات عدة على أنهم عربا مرتدين عن الإسلام ، وأعتبرهم آخرين مسيحيين حرفوا العقيدة المسيحية ، وأعتبرهم بعض على أنهم بقايا الزرادشتيين على أرض العراق ، وغالى بعض في اعتبارهم من عبدة الشر والشيطان فأستحقوا اللعنات .

والأيزيدية دون غيرها كانت مستهدفة في ديانتها أكثر من مجتمعها ، وصارت مثار خلاف حول حقيقة منشئها وتكوينها ، وأعتبرها بعض الكتاب أنها الديانة الأكثر تقاطعا وتعارضا مع الإسلام ، في طريقة العقيدة والسلوك والأيمان دون ترتيب السندات التي تعرض لهذا التقاطع ، ودون أي دليل يؤكد هذا ألاتهام .

فإذا كانت الأيزيدية حركة أموية نشأت من داخل بنية الدولة العربية والإسلامية ، فلماذا تقتصر على الأكراد دون العرب ، وهل توقف عملها من اجل إحياء تلك الدولة المندثرة ؟ وهل اتفق الأيزيدية اليوم على إسقاط تلك الفكرة السياسية من مناهجهم ؟ وأين انتهت تلك الدعوة ، بل وأين صار الأيزيدية منها اليوم ؟ وهل يعقل أن تكون الأيزيدية منشقة عن الإسلام بسبب تعصبها للخليفة الأموي يزيد بن معاوية ؟ حيث تم استغلال تشابه أسم الله ( أيزيد ) مع أسم الخليفة الأموي ( يزيد ) للطعن والتنكيل بهم . ثم الم يحن الوقت لنكشف عن عدم وجود ترابط بين الأساس الديني والفلسفي لديانتهم وبين الدعوة السياسية المزعومة ؟

وإذ تكشف الأيزيدية اليوم للناس حقيقة أيمانها وتمسكها بالخالق ، والتي تتطابق في حدود الأيمان مع كل الديانات التي تؤمن بالله ( خدا في الكوردية ) وتؤمن بالتوحيد ، وإذ تكتشف الناس مدى تطابق العديد من القيم التشريعية والدينية العامة مع الديانات الأخرى ، فتتوضح قضية التداخل والتلاقح بين تلك الديانات في العديد من القيم والأعراف والطقوس ، بعيدا عن استبعاد ديانة على حساب الأخرى .

وإزاء التجاذب القومي أوالديني الذي يريد أن يضم الأيزيدية تحت معطفه ، أو بروز المصالح السياسية التي تتجاذب قضية الانتماء الأيزيدي وفق الظروف والمكان والزمان ، تبدو أهمية الأيزيدية واضحة في كل هذا بالرغم من كل التجاهل التاريخي أو التعتيم الذي مورس ضدهم في كتب التاريخ القديم والحديث .

وإذا كانت الأيزيدية من الديانات التي تؤمن بها مجموعة بشرية ، فهل يعقل أن يتم حصر تلك الديانة التي قاومت كل تلك الأحداث والهزات ضمن حيز جغرافي وتأريخي ؟ في حين نجد أن العديد من أبناء ديانات أخرى لهم التأثير والحضور في الفترات المختلفة للزمن القديم والمكان ، وحين ندقق في الصراع التاريخي الذي حصل بين الديانات ، لانجد ذلك التعرض الواضح ضد الديانة الأيزيدية ، فهل أن أبناء الأيزيدية كانوا يختبئون في مجاهل الأرض وغابات أفريقيا حتى يمكن أن يتمسكوا ويصمدوا ضد عاديات الزمن ؟ وهل أن ابناء الأيزيدية كانوا غائبين عن الوعي حتى يمكن أن يبقوا تحت الأرض ليتعرفوا على ما يجري فوق ألأرض ؟

بالتأكيد أن ثمة حقائق مخفية ومغيبة عن ضمير من كتب التاريخ ، فقد تم تغييب ليس الأيزيدية باعتبارها ديانة قديمة وتتمسك بها مجموعة بشرية ، إنما تم تغييب الكورد بشكل عام عن حقائق كثيرة من التاريخ ، ولم يلتفت احد الى تلك الكلمات السومرية والأشورية والبابلية والاكدية التي لم يزل يتعامل بها الايزيدي سواء في تعامله اليومي أو في طقوسه الدينية ، وماهي أسباب بقاء تلك الكلمات المتطابقة ؟

وإذ يتم تحريف الاسم بغية التناغم والانسجام مع وجهة نظر التاريخ المكتوب من وجهة نظر واحدة ، فيصيروا ( يزيدية ) بدلا من ( ايزيدية ) ، ويتم نسبتهم الى يزيد بن معاوية أو الى يزيد بن انيسة الخارجي حسب مقتضى الحال ، مع أن كتاب التأريخ يدركون حقيقة عدم وجود ترابط ديني أو فقهي بين هذه ألأسماء وبين الديانة الأيزيدية ، فيصيرهم بعض على أنهم الجنود الأكراد الذين أعتمدهم الخليفة يزيد بن معاوية في حربه لقمع ثورة الحسين بن علي ( ع ) ، واستغلال تلك الافتراءات في قضية انشغال الأمة الإسلامية في مسألة الصراع الأموي مع المسلمين الشيعة ومحبي آل بيت الأمام علي بن ابي طالب ، وينسبهم بعض على أنهم أولاد الجن الذين بقوا في الجبال .

وإذ يتم تغييبهم عن الضوء ، فلا وجود لهم في التاريخ القديم ، ولاأثر لهم في زمن الفتوحات الإسلامية ، مع أن الفتح الإسلامي وصل الى مشارف جبال كوردستان وتوقفت تلك الخيول الهادرة والجمال من الصعود على صخور الجبال ، غير أن أحدا لم يكن يفسر الأسباب التي دعت الأمة الكوردية التي اشتهرت باعتناقها الديانة الأيزيدية والزرادشتية واليهودية والمسيحية قبل أن يحل عليها نور الأسلام ، أن تبقى مجموعات بشرية غير قليلة متمسكة بدياناتها القديمة ، فكيف عبر الأسلام تلك المجموعة البشرية التي كانت ضمن المجتمع الكوردي ؟ وماهو السبب الحقيقي الذي أبقى تلك المجموعة تتمسك بديانتها ؟ بل وما المنطق الذي يدعو تلك المجموعة البشرية أن تتفق على الانحراف والخروج عن الأسلام لو كانت قد اعتقدت بالأسلام ؟ ثم هل يعقل أن لاتنتج تلك المجموعة البشرية بعد إسلامها رجلا واحدا أو رمزا واحدا لتشير له كتب التاريخ بدلا من هذا التجهيل .

ونلمس أيضا من خلال قراءة التاريخ ذلك التجريد والتقليل من الأهمية الدينية والمجتمعية حتى ضمن المجتمع الكوردستاني ، مع أن الكورد يقرون حقيقة أن الأيزيدية هم أصل الكورد ، وأن من ينسبهم الى الأمة العربية يعوزه دليل قاطع في عدم وجود عشيرة عربية واحدة على مدى التاريخ القريب أو البعيد بينهم ، ومن ينسبهم الى الانشقاق والارتداد عن الأسلام أيضا يعوزه الدليل الأكيد من أنهم لايقبلون الانتساب لهم من غير ديانتهم ، ومن ينحرف عن ديانة لايمكنه أن ينغلق على نفسه ، والمنطق يقول انه يجب أن يفتح صدره لكل من يتضامن معه ويعيد من ينحرف أو ينشق عن تلك الديانة الى صفوفها ، غير أن الأيزيدية مجتمع ديني مغلق على نفسه لايقبل حتى عودة من يخرج عن ديانتهم من ابناء الأيزيدية أنفسهم ، عدا عن تلك الأطواق الحديدية التي تحكم المجتمع الأيزيدي في وجود الطبقات الدينية وقضية التزاوج فيما بينها ، والمحرمات التي تحددهم وتلزمهم .

ومن الحقائق التي تم تغييبها أيضا أن الديانة الأيزيدية لم تتعارض مع تلك الديانات في المنطقة ، وتبدو تلك العلاقات الاجتماعية والانسجام في الحياة المشتركة دليل يؤكد تلك الحقيقة ، بل وأن العديد من المحرمات ما يتطابق مع الأسلام ، وما ينسجم مع المسيحية ، وما ينسجم مع الزرادشتية ، فهل أن الديانة المسيحية والزرادشتية حلت بعد الإسلام لتأخذ منها الأيزيدية بعض الملامح ؟

وإذ ينتقل العديد من ابناء الأيزيدية الى الأسلام ، فليس لهم العودة الى ديانتهم السابقة قطعا ، لأسباب عدة ، أو لها إن الأسلام يحكم عليهم بالردة وعقوبة المرتد كما يقول فقهاء الأسلام القتل ، كما أن الديانة اليزيدية لاتقبل منهم تلك العودة مهما كان تبريرهم وأسبابهم ، وهذه الشريحة التي أنسلخت عن المجتمع الأيزيدي غيبت عن التاريخ أيضا ، فلم تذكر لنا صفحات التاريخ حتى ضمن المناطق التي عاشوا بها بعد انتقالهم من ديانتهم القديمة الى الجديدة ، أنهم كانوا حاضرين مؤثرين في التاريخ ، فهل ليس بينهم من لم يكن مؤثرا أو بارزا في التاريخ الإسلامي القديم أو الحديث على الأقل ؟ غير أن التأريخ لم يغفل ذكر المتحولين من ابناء المسيحية واليهودية والمندائية وحتى الزرادشتية ، بل أن التاريخ ذكر بشيء من الأنصاف رموز عديدة كانت لم تزل على ديانتها غير الإسلامية وكان لها التأثير المهم في التاريخ ، غير أن الأيزيدية لم يكنوا بين هؤلاء وهؤلاء .

هناك من يشير الى العلاقة بين التاريخ العربي وشعب كوردستان ، وهذه الأشكالية الموغلة في النظرة القومية الاستعلائية لمن هم غير العرب ، وتلك النفوس الممتلئة بالغطرسة التي عبأها المؤرخ العربي الذي استند واعتمد على آيات مقدسة وأحاديث نبوية مقدسة وتطويعها لصالح المنهج الاستعلائي ، جعلت أرضية لذلك التغييب المتعمد .

وإذا كانت تلك الحقائق التي تخص الأيزيدية بهذا الحجم من التغييب والإعماء في منطقة سكناهم ، لسببين أولهما الديانة التي تم تغليفها بالأسرار والخفايا والطلاسم ، وثانيا تلك القومية التي لم تزل تتحمل رذاذ تلك النظرات والعقليات التي تستكثر عليها حتى حقها في الحياة .

هذا الحيز الجغرافي في منطقة وجودهم التاريخي ، ونعتقد إننا نتفق إن الأيزيدية مهما كانت وجهة النظر تجاههم ، موجودين في تلك المنطقة منذ أن حل الإنسان فيها ، فكيف بالمناطق البعيدة عنهم وعن المجتمعات التي لم تتوضح لها حقائقهم ؟ كيف بالمجتمع المصري أو الجزائري أو السعودي الذي كانت الكتابات التاريخية المنحرفة هي الوحيدة التي يمكن لها أن تكون بينهم ؟ فلا يمكن قطعا أن تكون كتابات حيادية أو تتحدث عن حقيقتهم أو تدافع عن ديانتهم ، وليس بغريب أن يكتب بعض عنهم استنادا لما كتبه الأسلاف دون تمحيص ودون تدقيق تأريخي فتختفي الحقيقة وتبرز الصورة الوهمية .

بل لم يكن الكورد أنفسهم يهتم بهذا الجانب ، فلم يبرز من يكتب عنهم باللغة العربية توضيحا لحقيقتهم ولاحتى باللغة الكوردية ، لأسباب عدة منها انشغالهم بقضية حقوق شعب كوردستان والدفاع عن قضيته ، ومحاولة أعادة كتابة التاريخ وتقويم التحريف الذي حل في كتابة التاريخ العربي ، كما لم يهتم الأيزيدية أنفسهم أيضا الاهتمام بهذا الجانب لأسباب عدة أيضا ، منها أن مثقفيهم لم يلتفتوا الى هذا الجانب المهم إلا مؤخرا .

سادت الكثير من الكتابات التأريخية فكرة أعادة نسب الأيزيدية الى العرب ، وتعكزت سلطات حكمت العراق على تلك الفكرة في سبيل سلخهم عن حقيقة قوميتهم ، غير أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل الذريع ، فقد انتهت تلك السلطات ومعها تلك المحاولات ، وبقي الكورد الأيزيديون لم تمرر عليهم تلك الأساليب الخادعة في تزوير حقائق التاريخ العراقي ، ومن اللافت للنظر أن الأيزيدية في مناطق العراق أو سوريا أو تركيا يتجاورون مع العرب ويختلطون ضمن مجتمعهم في العديد من تلك القرى ، لكن الجميع يدرك حقيقة قوميتهم الكوردية ، بل ولا يشك في ذلك مطلقا ، غير أن تبطين الكراهية لهم لم تزل تتلبس نفوس العديد من جيرانهم من العرب وحتى من ابناء جلتهم من الكورد المتعصبين دينيا .

المتصفح للانترنيت وللكتابات التي كتبت عن الأيزيدية تجتزئ فترات طويلة ومهمة من حياة الأيزيدية ، فتجزم في قضايا دون دليل ، وتحكم في قضايا دون أسانيد ، ويستند كل تلك الكتابات على الأخرى ، دون تحليل ودون تمحيص ، وحتى دون إدخال الذاكرة التأريخية والحقائق الموضوعية ، ألا يمكن أن تتم مناقشة أسباب وجود قبر الشيخ عدي بن مسافر في لالش ، وطريقة الدفن التي تختلف عن طريقة دفن المسلمين ؟ إلا يمكن أن تتم مناقشة اللغة العربية التي يزعم انه يتحدث بها الشيخ عدي لقوم كورد لايعرفون اللغة العربية يعلمهم أمور دينهم ودنياهم ؟ فالقدرة على التحدث باللغة العربية تختلف بالتأكيد عن القدرة في فهم المفردات وطريقة هجاء الحروف فيعجز المرء عن فهم العديد من النصوص والقدرة على التعبير باللغة الأخرى ، خلال فترة التبشير والإقناع ، ألا يمكن مناقشة وجود الشيخ عدي بين اتباع يزيد بن معاوية بحرية تامة ، بينما تلاحق الدولة العباسية كل الأمويين حتى تصل الى حدود البحر ، دون أن تلتفت الى هؤلاء الذين يزعم أنهم يعبدون يزيد بن معاوية من دون الله ؟ ألا يمكن مناقشة حقيقة الفكرة الدينية التي تولدت في عقل يزيد بن معاوية من عدمها ، وهو المنشغل بملذات الدنيا والبعيد عن التصوف والتفكر الفلسفي بعد الأرض عن السماء ؟ الا يمكن مناقشة الفترة التي قضاها يزيد في الخلافة (( حكم للفترة من 680-683م )) والتي لم يرد في أي مرجع تاريخي اهتمامه بالأديان والمذاهب ، ثم الم يفكر من يروج مثل تلك القصص الى صعوبة تصديق أن مرجعا دينيا عربيا يتحدث لمجموعة بشرية تتحدث الكوردية ولاتفهم مايقوله بالعربية ، ليطرح عليها فلسفته وديانته ، حتى تتمسك بأقواله وتفهمها وتجعله في مصاف القديسين !!! كيف ينسجم الأمر بين طرفين لايفهم احدهما لغة الأخر إلا بالإشارة !!

حفظت كتب التاريخ العربي خطبة طارق بن زياد الليثي مولى موسى بن نصير حين قرر أن يقتحم البحر ليفتح الأندلس ، وحفظ الجميع تلك الخطبة التي صارت نشيدا للتلاميذ العرب في المدارس ، يتغنون بها ويتفاخرون ، ويقول فيها ((أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم ))...... الخ الخطبة ، غير أن حقائق التاريخ لم تذكر أن القائد طارق بن زياد الذي فتح الأندلس كان (( امازيغيا )) لايتحدث حرفا من اللغة العربية ، وأنه أسلم بعد فتح بلاد المغرب .

ولد طارق بن زياد في القرن الأول الهجري 670م في المغرب وتوفي 720م ، وقد اختلف مؤرخو العرب في أصله ، فذهب بعضهم إلى أنه كان فارسيًا ، وذهب فريق آخر إلى أنه كان بربريًا من إفريقيا ومن قبيلة نفزة البربرية أو من قبيلة الصدف الأمازيغية ، كان وثنيا وأسلم على يد موسى بن نصير بعد فتح بلاد شمال إفريقيا من قبل الجيوش الإسلامية ، ولم يكن يتحدث بالعربية ، فكيف صارت تلك خطبته المشهورة ؟؟

وأخيرا أين نجد تلك النظرة التاريخية الحيادية في الكتابة عن الأيزيدية ، ومناقشتهم دينيا بعد تقبل وجودهم وحقيقتهم ؟

المتصفح لأمهات الكتب التاريخية العربية لن يجد أسم الأيزيدية فيها ، مع أن ابن الأثير في الكامل في التأريخ يتحدث عن صحف إبراهيم التي تحدث بها النبي محمد ( ص ) الى أبي ذر الغفاري (( الصفحة 40 )) ، دون أن يتعرض أحد الى تلك الصحف ، مع أن الأيزيدية تقول أنهم اخذوا ديانتهم من إبراهيم الخليل . فهل إن تلك الصحف هي كتب الأيزيدية التي تشكلت منها كتبهم المقدسة ؟ أم أن تلك الصحف الأولى تشكل المعالم الأولى للأيمان بالخالق والتوحيد ؟ ويعلق السيد قطب في كتاباته عن تلك الصحف بقوله (( تتضمن أصول العقيدة الكبرى. هذا الحق الأصيل العريق. هو الذي في الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى.
ووحدة الحق، ووحدة العقيدة، هي الأمر الذي تقتضيه وحدة الجهة التي صدر عنها. ووحدة المشيئة التي اقتضت بعثة الرسل إلى البشر.. إنه حق واحد، يرجع إلى أصل واحد. تختلف جزئياته وتفصيلاته باختلاف الحاجات المتجددة، والأطوار المتعاقبة. ولكنها تلتقي عند ذلك الأصل الواحد . الصادر من مصدر واحد .. من ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى )) .

ودون شك أن الصحف الأولى هي الآيات المقدسة التي نزلت على النبي إبراهيم ، ودون أن يتطرق احد من الكتاب الى تفصيلاتها الخصوصية ، وإنما جاءت الشروحات والتعليقات جميعها تعتمد العموميات .

ثم الا يمكن الالتفات الى تلك التطابقات في الممارسة الدينية والطقوس التي تمارسها الأيزيدية ، مع تلك الطقوس والممارسات المتبعة في تلك الحضارات القديمة التي سادت في بلاد الرافدين ، أو تلك التي بقيت راسخة في جبال كوردستان ؟

وإذ يتم التنقيب في مناطق عديدة من العراق عن حقائق التأريخ القديم في منطقة من مناطق العراق التي سكنها البشر ، ترى الا تستحق المناطق القديمة والغارقة في القدم والتي سكنها الأيزيدية التنقيب والتحري واستنتاج الحقائق ؟ ألا يمكن أن تنكشف الأسرار المدفونة تحت صخور لالش وهي التي يعتبرها الأيزيدية مكانهم المقدس ؟

وبعد كل هذا الايمكن للمطالع العربي أن يتعرف على ملامح مجموعات بشرية بادت في العراق مثل الزرادشتية ، أوالتي لم تزل باقية حتى اليوم مثل الكاكائية والجرجرية وأهل الحق والصارلية ، حتى يمكن للمتابع العراقي بشكل خاص والعربي بشكل عام من معرفة حقيقة الأقوام التي تعيش في العراق ودياناتها ومذاهبها ؟

ومن يتصفح كتب التاريخ العربي كالكامل في التاريخ أو الأخبار الطوال أو السلوك لمعرفة دول الملوك لعز الدين أبن الأثير ، وكذلك الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني ، لن يجد فيها سطرا واحدا يشير الى الأماكن المقدسة التي يقدسها الأيزيديون ، بل أن ياقوت الحموي الذي لم يترك مدينة أو قرية إلا وذكرها في معجم البلدان ، أشاح وجهه عن الأماكن التي يسكنها الكورد الأيزيديون ولم يتقرب منها مطلقا ، بالرغم من احتواء معجمه بالصفحة 139 على قصيدة تهكمية على الكورد ومطلعها : ( تبا لشيطاني وما سلا لأنه أنزلني إربلا ) ، ويقطع الحموي بمشاهداته لأربيل المدينة الكوردية ، لكنه يتجاوز ذكر أديانهم ومعتقداتهم .

حتى أن الرحالة أبن جبير الذي عبر بلاد بكر ومايليها يصف ملامح الأيزيدي في تفاصيل ضفائره وشكل ثيابه والطبيعة التي يعيشها المجتمع الأيزيدي ضمن تلك البقعة الى عبرها ، غير انه يجعله وصفا عاما للكورد .

بل أن تأريخ الإسلام لشمس الدين أبو عبد الله الذهبي الذي ذكر الفتوحات والأقوام التي قاومت الدين الإسلامي لم يذكر ليس فقط أخبارهم إنما حتى ديانتهم أو ارتدادهم المزعوم عن الإسلام ، وحتى أن مؤرخا مثل أبن خلدون في تأريخ ابن خلدون لم يذكرهم ابدا ، ولم يتعرض لهم الطبري في كتابه تأريخ الرسل والملوك ، بل أن أبن منظور مؤلف كتاب مختصر تأريخ دمشق لم يذكرهم مطلقا مع أن الكتاب العرب لم يزلوا حتى اليوم يعتبرون الأيزيدية فرقة أموية انحازت الى جانب الخليفة يزيد بن معاوية ، وبدأت تباشيرها من دمشق ، دون أن يضعوا الأسباب المنطقية التي تدعو الكوردي الملتزم سواء بالإسلام أو بديانة أخرى ينتصر ليزيد بن معاوية على أعداءه ، ثم تستمر تلك العقيدة والالتزامات حتى بعد وفاته ، ودون أن نجد أي اثر تاريخي أو مادي على تلك الدعوة الباطلة ، في أعادة الخلافة الأموية ، سواء في الأقوال التي يرددها شيوخ الأيزيدية وقواليهم ، أو في نصوصهم الدينية المتناثرة .

أن المعنيين بكتابة التأريخ تدعوهم الحقيقة اليوم للمساهمة والبحث عن الحلقات المخفية من حياة تلك الشريحة العراقية ، والديانة العريقة الواضحة القدم ، والانفتاح عليهم باعتبارهم أولا وقبل كل شيء جزء من المنظومة البشرية ، وثانيا أنهم أهل ديانة يتمسكون بها ويفتدوها بأرواحهم ، وثالثا أنهم من شعب كوردستان الذي اثبت جدارته في التضحية والتمسك بحقوقه الإنسانية المشروعة ، بالرغم من حجم الهجمة الشوفينية المتطرفة التي واجهها ، والتي نالت من الأيزيدية جزء منها .

وإذا كانت الفلسفة الدينية للأيزيدية مثل غيرها تعني الدراسة العقلية لظواهر السلوك الإنساني ، وتفسيراتها للظواهر الطبيعية و ما وراء الطبيعة مثل الخلق و الموت والإقرار بالوجود ووحدانية الخالق ، فأن التعرض لتلك الفلسفة بالتكفير دون مناقشة أساساتها الإنسانية وحقيقتها القائمة ، واختزال تلك الدراسات بفتاوى تكفيرية من قبل رجال دين مسلمين حصرا ، تقطع كل الإمكانيات التي تتحرى عن حقيقة تلك الديانة بحد السيف ، وتلغي كل الإمكانيات في التحاور والجدل للتوصل الى المشترك في الحياة ، ما يجعل الحقيقة غائبة والتحليل العلمي مغيبا ، وبالتالي فأن الأحكام المسبقة التي تصدر بحق الأيزيدية تأتي دون تمحيص ودون أسانيد ، ودون أدلة تستند على الكتابات التاريخية التي كتبت في أزمان متفاوتة ، فيترسخ الظلم وتندحر الحقيقة .

بقيت تلك العقول مشغولة فترة طويلة بتسفيه الأفكار الدينية ، ومنسجمة مع السلاطين ووعاظهم ، دون أن يتمكن احد منهم التمرد على الخط العام الذي التزم بشطب الاسم والفلسفة من ذاكرة التاريخ الرسمي العربي المدون ، وبهذا غابت عنا حقائق يمكن لها أن تكون مدار بحث ونقاش وتمحيص وتقليب حول الركائز التي استندت اليها تلك الديانة ، وحقائق بروزها الأول في الزمن الغابر ، وعلاقتها بالحضارات التي سادت ثم بادت في أرض الرافدين ، أو على الأقل البحث عن أسباب انتشارها بين كوردستان العراق وسوريا وتركيا ثم أرمينيا ؟

ومع أن الأساطير مصدر مهم لمعرفة تطور الأديان وتطور فكرة الإلوهية عند الشعوب ، ويمكن للباحث أن يعتمدها كمادة خصبة للبحث ، فلم ينتبه احد الى تلك الأساطير التي تكتنف الديانة الايزيدية ، واستنباط الأحكام وتطابق النصوص معها .

يقول الدكتور جواد علي في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ((تختلف نظرة الإنسان إلى الخالق والخلق باختلاف تطوره ونمو عقله، ولهذا نجد فكرة "الله" "الإلَه" التي تقابل كلمة Deus في اللاتينية وكلمة Theos في اليونانية وكلمة God في الانكليزية، تختلف باختلاف مفاهيم الشعوب ودرجات تقدمها. فهي عند الشعوب البدائية القديمة والحديثة في شكل يختلف عن مفهومها عند الشعوب المتحضرة. كذلك اختلفت عند سكنة البوادي عن سكنة الجبال والهضاب،ويختلف مفهوم فكرة الله عند الشعوب السامية عنها عند للشعوب الآرية، لأسباب عديدة يذكرها علماء تاًريخ الأديان . )) ص 895 الجزء الثاني .

ولم تزل الأيزيدية متمسكة بتسمية أحد الملائكة المقربين من الإلــه الخالق بلفظة ( طاؤوس ) وهي متطابقة مع اللفظ اليوناني ، أو كلمة (قوال) المأخوذة من كلمة (كالو Kalo) السومرية ، وتعني (كالو Kalo) بتلك اللغة: الكاهن، الرجل المتدين، كبير السن، والتي يطلقها الأيزيدية حتى اليوم على رجل الدين المكلف بحفظ التواشيح والأدعية والمشاركة بالطقوس وحفظ التراث الأيزيدي ، وهي طبقة دينية محترمة من طبقات الأيزيدية .

كل هذه الأمور وغيرها لم تدفع بالمؤرخ العربي ولا بالمهتم بالأديان والملل والمذاهب أن يحلل ويستنتج ويبدي رأيه ، ولهذا فقد اسقط الإهمال على الأيزيدية نوعا من الضبابية التي مكنت كل التقولات الظالمة والآراء المجحفة بحقهم أن تطرح نفسها لتجد كل التقبل والانسجام في العقل العربي ، ولهذا فقد تكدست الدراسات العربية تنبش في كل مجاهل البلاد ، ليؤرخ العديد من المؤرخين تفاصيل الحياة والسياسة والحروب ، وأديان الجاهلية والإسلام وحركات الردة والانفصال التي حدثت ، ثم التحليل الاجتماعي للعديد من القوميات ، غير أن الأيزيدية كانت غائبة عن كل عصور التاريخ القديم والحديث إلا ما كتب عن غير حقيقتهم ولغرض الإساءة إليهم .

أن اليهودية باتت من الأديان التي لايتحمل المؤرخ أن يذكرها بحيادية انسجاما مع الخط العام للمجتمع ، ومهما زعم بعض أو ادعى آخر أن العداء للصهيونية وليس لليهودية ، إلا أن الحقيقة التاريخية وواقع الحال يخالف ذلك ، فاليهودي اليوم يعيش في بلادنا المسلمة تحت وطأة الرعب والتقوقع والانعزال والاتهام ، فثمة إشكالية طغت على التدوين التاريخي ، من خلال طغيان المواقف الدينية والسياسية ، ونلاحظ اليوم أن جميع ضحايا الإرهاب في بلداننا هم شهداء ، غير أن ضحايا الإرهاب من أبناء الأيزيدية هم قتلى أو ضحايا ، ولم تجرؤ مؤسسة إعلامية عربية أن تطلق لفظة الشهادة عليهم مهما بلغت حجمها .

كما يمكن للنظرة الشوفينية التي تسيطر على عقلية عدد من كتبة التاريخ تجاه الأمة الكوردية ، والإقرار بحقوقها الإنسانية من عدمه ، أن تسحب تلك النظرة على الايزيدية التي يمكن أن تستعيد ارتباطها القومي ، من خلال محاولات إعادة ترميم حالة التمزق التي حصلت ، ولم تزل تلك العقليات تصدر أحكامها الظالمة والمجحفة بحق الأيزيديون خصوصا والكورد عموما .

وعودة للمدونات التاريخية التي كتب العديد منها وفقا للاعتبارات السياسية والدينية التي تحكم المجتمع ، ولايمكن لمدون أو مؤرخ تحت ظل سلطة الخليفة أن يدون غير ما تريده الخلافة ( السلطة ) ، وإلا عد ملحدا أو مرتدا أو خائنا وأستحق الموت ، مع إننا لانسحب هذا الحكم على العديد من المدونات التاريخية الأخرى ، التي اتسمت بالجدية والمضمون الايجابي ، غير أنها ابتعدت عن ما يثير لها الإشكاليات والمشاكل .

وثمة حقيقة لابد من ذكرها ، وهي وجود أديان متعددة في منطقة كوردستان العراق ، وحين زحفت جيوش المسلمين ، فأنها نشرت الإسلام على المناطق التي فتحتها ، غير أن تلك الجيوش لم تستطع أن تصعد الى الجبال ، فبقيت الأديرة والكنائس والمعابد التي كان غير المسلمين يمارسون بها طقوسهم باقية ، وحين توقفت تلك الجيوش عند الأماكن التي وصلتها ، بقيت فترة أخرى حتى تمكنت من إيصال الإسلام الى المناطق الجبلية العصية ، حيث آمن بالدين الجديد العدد الكبير من أبناء تلك الديانات ، ليس فقط تخلصا من السلطات الفارسية إنما أيمانا بتلك الديانة الجديدة أيضا ، ويقول المؤرخ محمد أمين زكي في كتابه خلاصة تاريخ كرد وكردستان ص 123: (( أن الكورد وجدوا تشابها بين ماكانوا يعتقدونه والدين الجديد فآمنوا به )) ، في حين بقي عدد كبير أيضا على ديانتهم ، متمسكين بأديرتهم وكنائسهم وأماكنهم المقدسة ، بسبب اختلاف اللغة ، والتعصب القومي ، والاختلاف الثقافي بالإضافة الى ظرف المكان الذي يساعد على الاحتماء .

غير أن كتبة التاريخ أغفلوا أيضا ذلك الصراع القائم بين الزرادشتية وبين الأيزيدية ، ومن حقائق هذا الأمر أن الزرادشتية كانت قبل الإسلام ، وحاربت الأيزيدية حيث نعتهم زرادشت بأنهم ( عبدة العفريت ) ، وكانت منطقة كوردستان من ضمن المناطق التي تؤمن بالزرادشتية ، وكذلك بلاد فارس ، وبعد انتشار الإسلام ، تقهقرت الزرادشتية ، واعتنق أهلها الدين الإسلامي ، في حين بقيت تلك المجموعة البشرية التي تؤمن بالأيزيدية صامدة ، ولعل هذا الإغفال يتعارض مع اعتقادهم بارتداد الأيزيدية عن الإسلام .

بقيت قيم الدين مسيطرة بشكل واضح وقوي على الكتابة التاريخية ، وتطورت الى السطوة والهيمنة ، حيث بات سيف السلطة بعد أن صار الخليفة أميرا للمؤمنين ، الحاكم الديني والسياسي للأمة ، وظفت المؤرخ كتاباته بما لايتعارض مع تلك السطوة والهيمنة ، ولهذا تأتي العديد من الحوادث التاريخية في سياق غير سياقها الحقيقي .
************************************

الهوامش
( 1 ) هوشنك بروكا – المصدر السابق

( 2 ) الدكتور خليل جندي – المصدر السابق ص 32
( 3 ) هوشنك بروكا – المصدر السابق
مراجع البحث
1- أبن أبي الحديد – شرح نهج البلاغة – المجلد الخامس – الجزء التاسع – تحقيق محمد ابو الفضل أبراهيم – دار أحياء الكتب العربية عيسى الحلبي – القاهرة 1967
2- أبو داسن – حول مفهوم الشر في المعتقدات – مقالة منشورة في مجلة روز العدد 10
3- أسماعيل بك جول – اليزيدية قديماً وحديثاً – الطبعة الأمريكانية بيروت 1934
4- الدميري – حياة الحيوان الكبرى /الجزء الثاني – منشورات الشريف الرضي 1396هـ مطبعة الحلبي القاهرة
5- د. بير ممو عثمان – مقالة منشورة على الانترنيت في صفحة الكاتب العراقي – المدار ومقالة منشورة على صفحة داسن بالأنترنيت .

6- جون س . كيست – الحياة بين الكرد .. تأريخ الأيزديين – ترجمة عماد جميل مزوري – دار سبيرز دهوك 2005 / ص 81

7- الحلاج الحسين بن المنصور – الطواسين تحقيق لويس ما سينيون دار الينابيع دمشق 2003 ص 154

8- د.خليل جندي – نحو معرفة حقيقة الديانة الأيزيدية – السويد دار رابوون 1998
9- خدر بير سليمان – تقاليد القرية الأيزيدية – ترجمة عيدو بابا شيخ – الطبعة الاولى بيروت 1998

10 - عامر حنا فتوحي – الكلدان .. منذ بدء الزمان – دار النعمان للطباعة والنشر – ديترويت 2004

11- هوشنك بروكا – الايزيدية والطقوس الدوموزية – مجلة لالش –دهوك / صفحة داسن على الأنترنيت في أدب التاريخ
12- - د.رشيد الخيون – مجلة النهج العدد 22 ربيع 2001

13- د. روزاد علي – كاتب كردي من عفرين – صفحة عفرين نت / بعض ملامح المعتقدات الدينية في جبل الكرد – عفرين – في فترة ماقبل الميلاد .

14- زكريا القزويني – عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات – دار الأفاق الجديدة بيروت 1973
15- د. كاظم حبيب – الأيزيدية ديانة تقاوم نوائب الزمان – دار الحكمة لندن 2003
16- د.محمد عبد الحميد الحمد – الديانة اليزيدية بين الاسلام والمانوية – دار الاوائل للنشر – دمشق 2002
17- سعيد الديوه جي – اليزيدية – مؤسسة دار الكتب جامعة الموصل 1973
18- د.سامي سعيد الأحمد – اليزيدية احوالهم ومعتقداتهم – مطبعة الجامعة بغداد 1971

19- سليمان مظهر – قصة الديانات – مطبعة مدبولي القاهرة 2002 الطبعة الأولى

20- صديق الدملوجي – اليزيدية – مطبعة الاتحاد – الموصل 1949
21- الفيروز آبادي – القاموس المحيط – مؤسسة الرسالة بيروت 1987
22 - يعقوب سركيس – مباحث عراقية في الجغرافية والتاريخ والآثار وخطط بغداد – منشورات وزارة الأعلام العراقية 1981
23- ميرزا حسن دنايي – مجلة روز العدد 10 – 2001
************************************************************************************
المؤلف في سطور
زهير كاظم عبود
حاصل على البكلوريوس في القانون من كلية القانون والسياسة – جامعة بغداد
عمل معاوناً قضائياً و محققاً عدلياً ومحاميا في المحاكم
متخرج من المعهد القضائي العراقي 1984/1985
عمل قاضياً في المحاكم العراقية
عضو أتحاد الكتاب في السويد

محاضر في كلية القانون بالأكاديمية العربية المفتوحة بالدنمارك

عضو نقابة الصحفيين في كردستان العراق
أصدر الكتب التالية:
1- لمحات عن اليزيدية – بغداد - دار النهضة 1994/ لندن- دار الرافد 2000
2- لمحات عن الشبك – لندن دار الرافـــد 2000
3- ليلة القبض على رئيس الجمهورية – دار المنفى – السويد 2002
4- جمهورية الغجــر – السويــــد 2003
5- البهتان في اسلام ابي سفيان – السويد 2003
6- كتابات في القضية الكردية والفيدرالية وحقوق الانسان – دار دراسات كردستانية السويد 2004
7- مخابرات صدام وأغتيال الشيخ طالب السهيل شيخ بني تميم – لندن دار الحكمة 2004 / دار أيزيس للأبداع والثقافة – القاهرة 2006
8- لمحات عن سعيد قزاز – وزارة الثقافة – أقليم كردستان – السليمانية 2004
9- الأيزيدية.. حقائق وخفايا وأساطير – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 2004
10- نظرة في القضية الكردية والديمقراطية في العراق – دار دراسات كردستانية – ستكهولم 2005
11 – النقاط المهمة في الدستور العراقي القادم – دار حمدي للنشر والطباعة – 2005

12 - طاؤوس ملك / كبير الملائكة لدى الأيزيدية – دار سردم للنشر والطباعة - 2005

13- عدي بن مسافر مجدد الديانة الأيزيدية – المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 2005

14- الشبك في العراق – دار سردم 2005/ دار أيزيس القاهرة / مؤسسة هافبيون – المانيا

15- محاكمة صدام – دار حمدي 2005 / دار فيشونميديا – السويد 2005

16- الأرهاب في العراق – دراسات كردستانية 2006 / دار ئاراس للدراسات والنشر =- اربيل 2007

17- التنقيب في التأريخ الأيزيدي القديم – دار سبيرز دهوك 2006

18- المسؤولية القانونية في قضية الكورد الفيليين – دار ئاراس للطباعة والنشر – اربيل 2007

19- قضية الدجيل ونهاية صدام – دار ئاراس للطباعة والنشر – أربيل 2007

20- كتابات في الشأن العراقي – دار سبيرز دهوك 2007

أصدر في العراق دراستين قانونيتين بأشراف وزارة العدل :
التحقيق الأبتدائي وأجراءاته 1986

اليمين في القانون العراقي 1992

وله تحت الطبع

  1. قراءة في قضية المرأة .. الزواج والطلاق
  2. محكمة الأنفال
  3. أوراق من ذاكرة مدينة
الفهرست
المدخـــل

الفصل الأول نظرة عامة في ملا مح التكوين الأولى للأديان

الفصل الثاني ملامح البدايات
الفصل الثالث الطواف بالسنجق
الفصل الرابع عبدة الطاووس
الفصل الأخير
المراجع

Böhmer für schnelle Lösung bei Aufnahme irakischer Flüchtlinge

Di, 03.06.2008

Die Staatsministerin und Beauftragte der Bundesregierung für Migration, Flüchtlinge und Integration, Maria Böhmer, hat sich für eine schnelle Lösung zur Aufnahme irakischer Flüchtlinge in Deutschland ausgesprochen.
"Angesichts der schweren Menschenrechtskrise in der Region ist schnelles Handeln gefragt. Die Situation von Angehörigen nichtmuslimischer Minderheiten, die vor Verfolgung aus dem Irak in die Nachbarländer Jordanien und Syrien geflohen sind, wird immer schlimmer. Deutschland steht in der Pflicht, humanitäre Hilfe zu leisten", erklärte Böhmer.

"Ich unterstütze die Bemühungen des Bundesinnenministers für eine europaweite Lösung", unterstrich Böhmer mit Blick auf den Rat der EU-Innen- und Justizminister am 5. Juni. Komme aber keine schnelle EU-weite Einigung zustande, müsse Deutschland mit einer nationalen Lösung voran gehen.

"Das Kriterium muss sein: Wer am schlimmsten betroffen ist, bekommt unsere Hilfe zuerst. Das sind Angehörige religiöser Minderheiten, insbesondere Christen, und alleinstehende Frauen und Kinder", so Böhmer. Eine Rückkehr der Flüchtlinge in den Irak werde auf absehbare Zeit nicht möglich sein. "Deshalb ist es wichtig, ihnen die Erwerbstätigkeit zu gestatten, um sie schnell in den Arbeitsmarkt zu integrieren", sagte die Staatsministerin.

Angehörige religiöser Minderheiten wie Christen, Mandäer, Sabäer und Jeziden werden im Irak oftmals aufgefordert, zum Islam zu konvertieren oder ihr Haus binnen 24 Stunden zu verlassen. Von den 1,2 Millionen Christen, die noch 2003 im Irak lebten, sind nicht einmal mehr 400.000 im Lande verblieben. Viele Familien sind nach Jordanien oder Syrien geflohen. Dort erhalten die Erwachsenen oftmals keine Arbeitserlaubnis, die Kinder müssen das Familieneinkommen verdienen. Nach UNHCR-Schätzungen besuchen weniger als 25 Prozent der irakischen Flüchtlingskinder die Schule; sie gelten schon jetzt als "verlorene Generation". Junge Frauen geraten vermehrt in die Prostitution.

PRESSE- UND INFORMATIONSAMT DER BUNDESREGIERUNG
PRESSEMITTEILUNG NR.: 198

Quell: www.bundesregierung.de

زهير كاظم عبود طاؤوس ملـك رئيس الملائكة لدى الأيزيدي

لقد ورد ذكر عزازيل في التوراة ويلقب فيها برئيس الملائكة الذي هبط الى ألأرض ثم لقب بألقاب أخرى متعددة. يرجع علماء الدين أسم أبليس وألقابه ألأخرى الى أصل الكلمة اليونانية (Dia-Bolos) والكلمة Dia ترتبط بكلمة أبليس وتعني نفس المعنى وكذلك مرتبطة من حيث المعنى بالكلمة Divine أي المقدس وفي كثير من قصص ألأديان السماوية يوصف أبليس بأنه كان أجمل الكل وأعظمهم وله صفات مشتركة مع الله لأنه أقرب ألملائكة الى الله ومن صفاته أيضا" بأنه نور الله أي نور خلق من نور كضوء شمعة من مثيلها كما أن أتباعه الصوفيين وصفوه بانه يعكس الضوء ألإلهي كالمرآة فلقبوه لذلك ب (لوسيفر Lucifer) أي حامل ألضياء. أن حامل الضياء هذا هو نفسه عزازيل وأحيانا" ملاك الموت جبريل.
وبشكل عام فأن المجادلة اللاهوتية بين الله وأبليس هو الصراع بين قوتي الخير والشر والتي شغلت بال الإنسانية منذ تواجدهم على وجه ألأرض. أن هذا الصراع يكمن في الطبيعة حول البقاء للأفضل كما أنه ورد أيضا" في القصص الدينية القديمة عند المصريين وسكان بلاد مابين النهرين ولدى الصينيين و الهنود الحمر.
ويعتقد بعض علماء الدين بأن التقرب الصوفي لموضوع عزازيل أو طاؤوس ملك كما سمي لاحقا"، هو موضوع فلسفي ولاهوتي في طبيعته. يشير الى طاؤوس ملك بأنه رئيس الملائكة السبعة وهو الوحيد الذي يملك الجبروت المطلق على وجه الأرض .
أن أسم عزازيل هو عربي ويعني "الحارث" ، يعتبر عزازيل من اجمل الملائكة وأشدهم قوة وأكثرهم علما" ومن الناحية الجمالية يمكن إعتباره ظاهرة السمو، أن الله قد منحه الحرية المطلقة بما يعمل على وجه ألأرض. وتعتبر الصوفية بأن أبليس ليس نقيض الله بل هو الوحيد الذي يعرف قيمته ويقدره وأيضا" الوحيد الذي يطبق أحكامه وأوامره على طريق التوحيد وهو سيد الموحدين. لقد رفض السجود لأدم كي لايناقض إرادة الله تعالى. كان حسين الحلاج يصرخ في الناس بأن أبليس أي عزازيل هو سيد الموحدين ، وهو الموحد ألأول على ألأرض وفي السماوات. ففي السماوات نادى الملائكة وألفت نظرهم الى عظمة الله ومعرفته وعلى ألأرض نبه الإنسان باليقضة والتعرف على ألظلام والشر لأنه لولا ذلك لصعب عليه معرفة النور والخير. ويذكر أن أبو الفتوح أحمد بن محمد ألغزالي (المتوفي سنة 1126) وعظ في بغداد وقال بأن أبليس هو سيد الموحدين ونادى على المنبر : من لم يتعلم من أبليس فهو زنديق، أمر أن يسجد لغير سيده فأبى .
أن جميع المتصوفين كان يرفضون لعن أبليس أو تسميته بملاك الشر ، وكما أنهم كانوا يرفضون تسميته بنقيض الله أو انه خالف أوامره . كان المتصوفة يعتقدون بوجود ديك في السماوات هو ديك العرش، وهو الذي يصيح خمس مرات للصلوات الخمسة وأن المتصوفيين وحدهم يسمعون صياح هذا الديك ويصلون. ولقد سمت الصوفية هذا الديك طاؤوس جميع الملائكة. إن هذه ألآفكار الصوفية انتشرت بين ألأيزديين في حوالي القرن الثاني عشر.
لكن الديانة الايزيدية تختلف عن الديانات السماوية بنقطتين مهمتين في هذا المضمار، أولهما بأن اله ديانة الكرد القديمة ، وهنا نقصد الايزيدية اله غير شخصي وغير معروف، فالله هو كل شيْ وكل شيْ يحتوي على جزء من الله ، وكذلك الإنسان فروحه جزء من الكل أي من الذات الإلهية وهنا تنطبق مبادئ النظرية الرواقية Stoicism والتي هي جزء من الفلسفة الهلينستية التي تتضمن الأفكار التوحيدية، فمستقبل الروح حسب الديانة الايزيدية يرسم وراء ما يجري في الطبيعة ولكل ذات وحدته ولكل شي مكانه الضروري من أعضاء الجسد البشري إلى وحدات عناصر الطبيعة، والإنسان ينظر إلى نفسه ومستقبل روحه في إطار الكل. أما حريته في تحديد مستقبل روحه والعمل على تطهيرها كي ترجع إلى الكل بأسرع وقت ممكن تكمن في التمييز بين قدرته وتلك القدرة الكلية، فإرادة الفرد الايزيدي تقع ضمن إمكانياته في استخدام عقله للتحكم بين عواطفه وعقله.
وكل هذا تركز في مبدأ التصوف الذي أتى به الشيخ عادي إلى اتباع ديانة الكرد القديمة ألا وهو تحرير النفس من الأهواء التي تبعدها عن إرجاع الجزء الإلهي إلى منبعه (طاؤوس ملك) كمصدر رئيسي للإله الواحد. أما اله الديانات السماوية حسب الإنجيل والقران فهو شخصي وانه يقف منفصلا عن مخلوقاته فهو في واد وكافة المخلوقات الأخرى في واد آخر وهنالك فقط وسيط ألا وهو يسوع المسيح:
"قال له توما يا سيد لسنا نعلم أين نذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق. قال له يسوع المسيح: أنا هو الطريق والحق والحيوة، ليس احد يأتي إلى الأب إلا بي ولو كنتم عرفتموني لعرفتم أبى أيضا. ومن ألآن تعرفوه وقد رأيتموه. قال له فيلبس ياسيد أرنا الأب وكفانا. قال له يسوع أنا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يافيلبس. الذي رآني فقد رآى ألأب فكيف تقول أنت أرنا الأب. ألست تؤمن أني أنا في ألأب وألأب في. ألكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الأب ألحال في هو يعمل ألأعمال. صدقوني أني في ألأب وألأب في... إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وأليه نأتي وعنده نضع منزلا". ألذي لايحبني لا يحفظ كلامي والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للأب الذي أرسلني." (إنجيل يوحنا: الإصحاح 14: 4/25) وكذلك الرسول محمد له نفس الدور في الديانة الإسلامية ، وهم يتوسطون بين الله سبحانه وتعالى وبين البشر (مخلوقاته).
أما النقطة الرئيسية الثانية التي تفرق ديانة الأكراد القديمة عن الديانات السماوية هي فكرة تناسخ الأرواح ورجوع الروح تكرارا إلى الجسد حتى يتم تنقيتها ومن ثم تعود إلى الكل. ففي الديانات السماوية يأتي الإنسان مرة واحدة إلى الحياة ، وعندما يموت يحاسب يوم القيامة أمام الله، وروحه ليست جزءا من الذات الإلهية بل مجرد نفحة إلهية في جسد يبعث للاختبار.
يعتبر الكثير من الباحثين بأن فكرة أبليس هي صوفية المنبع . ويعتقد بعض علماء الدين بأن ألأيزيدية بدأت تنحرف من المبادئ الجديدة بعد موت شيخ عادي، إذ كانوا يعتبرونه من المتصوفيين المتطرفين، أما فكرة شيخ عادي حول قصة أبليس والصراع الميثولوجي الذي ذكر في ألأديان السماوية فهي متأثرة بأفكار حسين الحلاج حول هذا الموضوع ، وبدأ اليزيديون في فترة شيخ عادي ومابعده بحوالي مائة سنة يعتقدون بأن الله سبحانه تعالى كان ينوي أن يمتحن عزازيل ، وبعدما رفض عزازيل السجود لأدم كافأه الله وجعله رئيسا" للملائكة ، بعدما أدرك بأن عمله يجسد فكرة التوحيد، ولذا أعتبرت ألأيزيدية في هذه الفترة بأن عزازيل هو سيد الموحدين وأول من أدرك وحدانية الله. ومن بعد ذلك ظهرت فكرة أخرى عن اليزيديين بأنهم يعبدون إله الشر أبليس لأنه مصدر الشر والمصائب ، وإذا ما عبده ألإنسان ولم يشتمه فأنه سيصان من شروره ، وهكذا ليس هنالك سبب لعبادة الله إذا ما إستطاع أن يتقي شر إبليس بالسجود له. لقد أعتبر بعض فلاسفة الدين بأن الفكرة هذه مقنعة لأن ألإنسان لايخاف من مصدر الخير ألأ وهو الله بل عليه أن يتقي مصدر الشر بالطاعة والسجود له وعدم تحدي أوامره.[ لقد أتفق أغلبية علماء الدين بأن أبليس وعزازيل هما نفسهما ، كما أن عزازيل هو طاؤوس ملك ومن خلال فكرة تناسخ ألأرواح دخلت روحه ئيزيد ومن ثم شيخ عادي على وجه ألأرض، وفي النص الديني الأيزيدي " شيخ عادي شيخي شارا" نسمع:
" شيخ عادي وطاؤوس ملك وسلطان ئيزيد هم ذات واحدة
لا تفرقوأ بينهم
هم الذين يحققون ألآمال"
أن طاؤوس ملك يمثل عند ألأيزيديين في أساسه فكرة الله تعالى (اله الشمس في منبعه) نفسه ولكن بعد قدوم شيخ عادي وأفكاره الجديدة نشأت عند ألأيزيديين الفكرة الجديدة حول الله تعالى وممثله طاؤوس ملك. إن الفكرة الفلسفية حول ألإتهامات الموجهه الى أبليس تعتمد على النقاط الثلاثة ألتالية:
1. إستبداده بألرائ على موضوع أوامر الله.
2. حريته ألأختيار في أوامر الله (عدم تطبيق ألأوامر كما جاءت اليه).
3. إستكباره الغير مقنع بالنار أو الضوء ( المادة التي صنع منها) مقابل الصلصال الذي صنع منه قالب آدم.
أما طاؤوس ملك أو أبليس كما تسميه ألأديان السماوية، فيستند تصرفه ألى المعتقد بأنه لايحدث أي شئ في الكون بدون مشيئة الله ويؤكد بأن الباري ربه ورب الخلق أجمعين وهو قادر على كل شيئ فأن أراد شيا" قال : كن فيكن:
وعليه يستند تصرفه مقابل مشيئة الله الى ألنقاط التالية:
1. إن الله كان على علم قبل أن يخلق أي شئ في ألأرض والسماوات بأن أبليس سيعارض أمره فلماذا خلقه؟
2. إن الله خلق أبليس على مشيئته فلماذا كلف الله أبليس بإطاعته فقط ولايسجد لغيره وكان يعلم مقدما" بأن أبليس لا ينسى هذا الشئ فلماذا هذا ألإمتحان العسير؟
3. إن أبليس طبق أوامر الله في إطاعته والسجود له فقط فما كان مقصده بالسجود لأدم بالرغم من معرفته الخاصة بأن أبليس سيرفض ذلك مقدما"؟
4. إن إبليس كان ذكيا" ولم ينس كلام الله فما معنى اللعنة عليه وطرده من الجنة بالرغم من إلتزامه بالوحدانية أي انه لايسجد إلأ لله فقط؟
5. بعد أن غضب الله من إبليس طرده من الجنة فلماذا أدخله ثانية كي يغري آدم بأكل الثمرة من الشجرة الممنوعة ،وهكذا أخرج آدم من الجنة مع إبليس ، وإن لم يدخل الله إبليس الجنة بعد طرده لما طرد آدم وحواء من الجنة وكانوا سيبقون فيها خالدين؟
6. ما ذنب البشرية من شر إبليس إذا سلط عليهم الله هذا ألأذى غير المرئي، فلماذا لايزيله الله حتى ترتاح البشرية من شره والله قادر على كل شئ. فهو يخرجه من الجنة مرة ويدخله من باب آخر ثانية ثم يسلطه على بني آدم، وماذا يعني الله بأستمهاله لأبليس الى يوم الآخرة؟
فلو كان الله قد أزال هذا الشر من البداية لأرتاحت البشرية وأزال الشر من الكون وكان قد عم ألأرض خيرا" فقط بدلا" من إمتزاجه بالشر ألأبدي، ولكن الله ينبه البشر فقط من هذا الشر بالرغم من قدرته على إزالة هذا الشر الخطر كما في سورة البقرة ( ألآية 161).
لكن الظاهر من الكتب المقدسة حول موضوع إبليس بأن موقفه كان سليما" لأنه تصرف بمشيئة الله وهكذا كان موقف المتصوفة منه من أمثال: جنيد البغدادي وحسين الحلاج وأبو الفتوح أحمد بن محمد الغزالي وعدي بن مسافر...غيرهم.
يعتبر شيخ عادي من مؤسسي الدعوة العدوية ولقد سمي أتباعة بالمريدين، وبعد إنتشار الإسلام في المنطقة أمتزجت ألأفكار الصوفية وألأديان السماوية بألإعتقاد ألأيزيدي القديم وألذي كان معتقدوه منتشرين في كافة أنحاء كردستان. يعتقد ألكثير من الباحثين بأنه حتى فكرة تناسخ الارواح أخذها ألأيزيديون عن طريق الدعوة العدوية. أما الشيخ عادي نفسه فقد كان يؤمن بأن الله لايمكن أن يخلق قوة تساويه في المقدار وتعاكسه في ألإتجاه. ففي كتابه: إعتقاد أهل السنة والجماعة، يقول شيخ عادي بأن الله مصدر كل شيء وأن الضلالة والهدى من إرادة الله ويستند بذلك الى قول الله تعالى " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا" حرجا" (سورة ألأنعام ، آية 125). وفي موضوع " رب يسر ولاتعسر" تحت الرقم (5) : دليل ثاني يقول: " لما روي عن النبي (ص) أنه قال: " سيكون من أمتي قوم يكفرون بالله وهم لايشعرون" قيل: يارسول الله كيف يقولون؟ قال: "يقولون الخير من الله والشر من إبليس ومن أنفسنا ثم يقرؤون على ذلك القرآن، فيكفرون بالله والقرآن". وتحت الرقم (6) دليل ثالث: أن الشر لو كان بغير إرادة الله لكان عاجزا" والعاجز لايكون إالها". لأنه لايجوز أن يكون في داره ما لا يريد، كما لا يجوز أن يكون في داره ما لا يعلم. وتحت الرقم (7) دليل رابع: ما روي عن النبي (ص) أنه قال: "لو أراد الله أن لا يعصي ما خلق إبليس" ولأنهم فتكوا في الكفر فجعلوا إرادة إبليس وأنفسهم أقوى من إرادة الله تعالى، فقالوا: أراد إبليس المعصية فوجدت وأراد الله أن لا تكون فكانت، فجعلوا إبليس وأنفسهم أقوى من الله تعالى.
أما عن موضوع ألحية وأرتباطها بأبليس والطير طاؤوس ففي العقائد القديمة هنالك إرتباط وثيق بين إبليس وطير الطاؤوس والحية فتذكره قصص ألأديان كما في المسيحية وإعتبرت الحية معبودا" أبليسيا" وفي ألأصحاح يسمى إبليس بالحية القديمة الذي يضلل العالم. وهنالك حديث منسوب للإمام علي يقول: "قلت : يارسول الله ــ فتلقى آدم من ربه كلمات ــ فما هي الكلمات؟ قال: ياعلي إن الله أهبط آدم بالهند، وأهبط حواء بجدة، والحية بأصبهان، وإبليس بميسان ولم يكن شيئ في الجنة أحسن من الحية والطاؤوس، وكان للحية قوائم كقوائم البعير فدخل إبليس في جوفها فغر آدم وخدعه ، فغضب الله على الحية وألقي عنها قوائمها وقال: جعلت رزقك التراب وجعلتك تمشين على بطنك، لارحم الله من رحمك."
كل ذلك يدل بأن الميثولوجيا القديمة خلقت إرتباطا" بين رئيس الملائكة عزازيل وطير الطاؤوس والحية إذ يوصفون من قبل علماء الدين بأنهم المتأمرون الثلاثة، خاصة عندما أراد إبليس أن يدخل الجنة لأغراء حواء وآدم فذهب الى الطاؤوس وكان سيد طيور الجنة ليتحايل عليه كي يدخله الجنة فدله على الحية لأنها أقدر على ذلك وكانت صديقة لأبليس فأدخلته في فمها بدون علم الخزنة الى الجنة وأغرت حواء بأكل الثمرة الممنوعة.
لكن كل هذه القصة وتفاصيلها لم تكن معروفة عند ألأيزيدين قبل قدوم ألأديان السماوية الى المنطقة وأقبلت لديهم واصبحت معروفة عندهم عن طريق المتصوفة الإسلاميين في حوالي سنة 1120م وما بعدها.
إن مابقي عند ألأيزيديين من التراث الديني يتمثل بألأقوال الدينية الشفوية ذا مغزى فلسفي حول ألإله (طاؤوس ملك) ومستقبل الروح. إن مايتداوله ألأيزيديين من تراث ديني شفوي يبدأ غالبيته بعد قدوم شيخ عادي الى المنطقة حوالي (1120م ) مستثنيا" من ذلك ألأعياد ألقديمة التي يرجع تاريخها بحوالي 1000 الى 2000 سنة قبل الميلاد وهذا هو تاريخ فلسفة الديانة ألأيزيدية من الناحية التاريخية أيضا". أن ما بقي متداولا" عند ألأيزيديين من أفكار فلسفية تتعلق بالله ومصير الروح هو إمتداد تطوري ونسيج من التاريخ قبل مجيئ ألإسلام الى المنطقة وبعده. ولذا لايمكن إعتبار قبول ألأفكار الصوفية والفلسفية الجديدة التي ظهرت في المنطقة بعد ظهور ألإسلام بأنها حدث منفصل عن مجرى حياة الكرد ، فهذه ألأفكار التي باركها الايزديون لم تكن إسلامية صرفة بل قريبة عن مجمل تفكيرهم السابق حول طبيعة البشر وتقربه الى آلههم ألأكبر طاؤوس ملك وألآلهة ألأخرى (خودان) التي كانت تابعة سلطتها الى ألآله ألأكبر طاؤوس ملك.
إن الصوفية كانت تنادي بالزهد والقناعة وترتكز على مبادئ الفرد ذاته. إن الفرد كان نقطة أهتمام المتصوفة كما أن علاقته بإلالهة كانت علاقة مباشرة حسب إعتقاد المتصوفة، كل هذا كان يتطابق مع مبادئ الديانة الكردية القديمة وبألأخص ألأيزيدية. إن مركز ثقل ألأفكار الجديدة ألتي قدمت الى المنطقة حينذاك كانت مرتكزة على أشكال متعددة من المعرفة عن إله ألأديان السماوية الجديد، بما في ذلك من علاقة هذا ألإنسان الضعيف بألإله الجبار ، إضافة الى التعاليم الجديدة عن معرفة الطبيعة ومركز ألإنسان ودوره ومسؤلياته في هذا الكون.
إن الفكرة ألأساسية للتعاليم الجديدة التي قدمت المنطقة والتي كانت ترتكز عليها ألأديان السماوية هي فكرة التوحيد كعقيدة إيمانية وكإطار إجتماعي . أما بالنسبة للأيزيدية فتمثلت بإله واحد (( إله ألأديان السماوية )) كبديل عن عبادة عدة آلهة مبتدأ باله الشمس (طاؤوس الملائكة) ومنتهيا بالألهة المختصة لكل مرض ولكل ظاهرة من ظواهر الطبيعة. إن هذه الفكرة الجديدة قلصت دور الفرد وعززت في نفس الوقت دور وسلطة الرئيس الديني ، خلافا لما كان عليه سابقا في المنطقة. فبعد قدوم ألإسلام الى المنطقة التي كانت تقطنها أتباع ألديانات الكردية القديمة ، إختلفت طريقة تفكير وتحليل أتباع هذه الديانة للكون والخليقة رأسا على عقب . فقد إتخذ طريقة تفكيرهم طابعا يميز الظروف التاريخية لتلك المنطقة، فبعد قدوم ألإسلام وفلسفة التصوف عن طريق شيخ عادي، إنشغل أتباع هذه الديانة الذين لم يدخلوا ألإسلام علنا بهذه المفاهيم والتقربات الجديدة لله والكون والروح. لقد أفرزت طبقة من الشعراء المتصوفة مبدعي ألأناشيد الدينية ألأيزيدية والمتعلمين الذين قدموا الى المنطقة بصحبة الشيخ عادي ، فرضت نفسها على البقية الباقية من أتباع ديانة ألكرد القديمة التي كانت تساير الظروف التاريخية للمنطقة حين ذاك ، ولا تعارض المبادئ ألأساسية للخلافة في حينها ، بغض النظر عن التعاطف السري مع الاسلاف . إن جمهرة هؤلاء الكتاب والمفكرين المتصوفين الذين قدموا مع الشيخ عادي ومن بعده بحدود 100 سنة لم يكنوا جميعهم من أصل كردي أو من أهالي المنطقة بل إستوطنوا هناك وأصبح لهم مريدون موالون، تتبعوا سيرهم وتعاليمهم ، ومهما يكن من أمر ألأيزيديين ألأوائل قبل ظهور وإنتشار ألإسلام في المنطقة فأنهم لم يكونوا ساذجين من الناحية الفكرية (نقصد عبادة آلهتهم ، أله الشمس) ودفن الموتى ومايرافقها من مصير الروح ومصدر الخير والشر. إن روؤساء الطائفة الدينية للأيزيديين تقبلوا أفكار الشيخ عادي وأتباعه ، لأنها كانت قريبة من فلسفتهم الدينية القديمة ، وكذلك لأن ألأفكار الجديدة لم تمنعهم بالإستمرار في تقديس ومزاولة عاداتهم الدينية القديمة بما فيها ألأعياد والمراسيم. أن بعض المحاولات التي جرت بعد شيخ عادي من قبل أولاد أخيه وأتباع العائلة حول وضع حد فاصل لتاريخ ألأيزيدية مبتدأ بقدوم شيخ عادي ، ودفن ما قبل ذلك من التراث الديني ، كانت محاولة لم يكتب لها النجاح لحسن حظ أتباع هذه الديانة ، وإلا لأندثر ما يمكن أن يفتخر به الى ألآن.
إن عبادة الشمس لم تنتقل الى ألأيزيدية عن طريق العبادات البابلية بل أنتقلت اليها من العبادات ألأيرانية (ألمثرائية) وذلك لأن ألأخمينيين بعد أن أحتلوا بلاد بابل أخذت الديانات ألأيرانية تؤثر في الديانات البابلية. أما بعد قيام الدولة الساسانية فقد جرت محاولات لإرغام كافة الشعوب الخاضعة لها على إعتناق الديانة الزرادشية التي كانت ديانتها وتحكم بها ، والتي تعتبر من الديانات الأولية في المنطقة التي مزجت نظام الدين والدولة وعززت بها مواقع رجال الدين. أما ألأيزيديين فقد سمحوا لهم بمزاولة طقوسهم الدينية بسبب عبادتهم الشمس والنور. كما إقتبست الزرادشتية فكرة طاؤوس ملك (إله الشمس) منها، وخلقت بموجبه إله الخير الزرادشتي أهورا مزدا. وبالمقارنة يتضح بأن كل من طاؤوس ملك و أهورا مزدا لهم نفس الواجبات والسلطة مع الفرق بأن طاؤوس ملك هو إله العقاب والثواب أما أهورا مزدا فهو إله الخير فقط وفي صراع دائم مع إله الشر أهريمن.
وفي علم الفلك فأن الكوكب السيار عطارد ويومه هو ألأربعاء، (( شاب يركب طاؤوسا )) ، بيمناه حية وبيسراه لوح يقرؤه . وعند ألأيزيديين فلازال يوم ألأربعاء هو اليوم المقدس لديهم ويقابل الجمعة عند ألإسلام ، وألسبت عند اليهود وألأحد عند المسيحيين ، ويعتقد ألأيزيديون بأن هذا اليوم هو يوم طاؤوس ملك، وهو اليوم الذي خلق فيه ذاته، وخلق بدوره ألكون. ويظهر تأثير هذا جليا بصورة الحية التي لازالت مرسومة على جدار المدخل الرئيسي لمعبد ألأيزيديين في لالش.
ويذكر علماء الدين بأن تسمية طاؤوس ملك إنما تطلق على الملائكة التي تتوسط وتنقل اوامر الله الى البشر، ففي ألأديان السماوية يطلق على جبرائيل طاؤوس ملك ، أما عند ألأيزيديين فيطلق أسم طاؤوس ملك أحيانا"على عزرائيل وبألأخص على تلك الملائكة التي تحمل الصفات ألإلهية، وحدث كل ذلك بعد قدوم ألأديان السماوية الى المنطقة وبتأثير مبادئ التصوف بين ألأيزيديين عن طريق الشيخ عادي.
أما بالنسبة الى ألأيزيدية وإستنادا" الى قصائدهم الدينية الشفوية فيعتبر طاؤوس ملك ألإله الوحيد الذي له كافة السلطات العليا ويتجلى ذلك في النص الديني ألأتي "به دشايى مه ن :
"طاؤوسي هو رئيس كافة الملائكة
هو خالق ألأرض والسماوات
هو نفسه السلطان شيخ عادي
يتجلى ذاته بوضوح
طاؤوسي هو رئيس كافة ألملائكة
هو خلق إثنان وسبعين ملة
و ثمانين ألف مخلوق
قبل ألأرض وقبل ألسماوات
كان الله موجودا" وهو نور ألأنوار
ومن قدرته خلق ألكون
وألأرض والعرش وألأيمان
وسمي نفسه طاؤوس الكائنات"
وفي قول ديني آخر:
أن ألجبار العظيم لقب نفسه بألف إسم وواحد
لكنه إسمه ألأعظم هو الله.
وبسبب الخاصية المشتركة والباقية الى يومنا هذا حول عبادة طاؤوس ملك فقط فأن ألأيزيديين يعتقدون بأن الشخص ألأيزيدي يولد وفي روحه وجسده شيء من ألإله ألأكبر طاؤوس ملك، لهذا يعتقد ألأيزيدي بأنه منذ الولادة يحمل في نفسه شئ مقدس لكن درجة قدسيته لا تساوي الخالق (طاؤوس ملك) ولاتصل الى منزلته ، لأن الخالق هو المصدر الذي يستوحي منه قوته ، فالمصدر واحد لكن درجة تمويل القوة تختلف نوعيا" وكميا" من فرد إلى آخر ، وأن تمويل القوة يستند الى درجة العلاقة المباشرة ومدى وفاء الشخص لخالقه ودرجة تحكم عقله في هذه العلاقة. إن دور الفرد يكمن في خلق توازن لا في نفسه فقط بل في الكون أيضا" ، كوسيط بين ألأرض والسماء، لأن مايجري في نفسه من صراع بين أجزاء جسده هي مماثلة عما يجري في الكون بين ظواهرها المتناقضة المتعددة. فحسب تعاليم الديانة الكردية القديمة فإن الفرد يكمن في ذاته المبادئ الروحية للأرض والسماء ومن خلال علاقته النقية بطاؤوس ملك يستطيع الفرد ألأيزيدي أن يوازن بين قوى الخير والشر في ذاته، لأنهما تسكنان في ذاته كما في الطبيعة، جنبا" الى جنب ويستطيع من خلال علاقته المباشرة بإلأله التوازن بينهما ، لذا يكمن ألإنسان في ذاته قلب السماء (العنصر الذكري) وكبد ألأرض (العنصر ألأنثوي) أما فكر ألبشر فهو الوسيط لأيجاد توازن بين العنصرين أي بين ألأرض والسماء ، الخير والشر. أن نور ألإنسان ، حسب المفاهيم القديمة لهذه ألديانة، منبعه من النور ألأصلي طاؤوس ملك ، فهو نور وضياء لمن أهتدى به، لكنه نار يحرق من يعارضه ويخالف أوامره ، فطاؤوس ملك هو منبع ألإثنين يهب ألأرواح ويأخذها، لهذا فالقتل إثم عند ألأيزيديين.
تحت مصطلح ألوحدانية تكمن العبادة لإله واحد ، وهو ألإله الذي عبده النبي إبراهيم ثم السيد المسيح وأخيرا" النبي محمد ، كما يفهم بأنه هو نفس ألإلـه الذي تعبده أتباع الديانات السماوية الموما اليها، ويشبه مركز الدائرة كل ينظر اليه من زاويته ، والأيزيدية أيضا" تؤمن بوحدانية الله (مع فارق التسمية) فهو مصدر الثواب والعقاب وأن علاقة الشخص به مباشرة بلا وسيط )) .
ويؤكد آخرين بأن أسم طاوؤس ماهو الا تحوير لأسم تموز ( Tamuz ) الرب البابلي المشهور ، وقد ربط السيد ( ارشيبالد سايس ) اسم طاووس مع ثياس ( Thoas ) أو ( ثواس ) والذي عرف على حد قوله في أماكن كثيرة كزوج لمرينا ، ابنا لادونيس وميرها ، وبذلك فان ( تاوز – ثواس ) في تقويم حران على حد إعتقاد البعض مطابقة لتموز ، وتاوز نفسها مطابقة لطاوؤس . ويذكر الآخر بأن طير طاؤوس عند الأيزيدية ماهو الا تعبير للشمس ، وهو عبارة عن تموز النبطيين الأقدمين والاله الذي يتكلم عنه حزقيال النبي ، ويقول الكثير من البحاثة بأن عبادة تموز – تاوز كانت منتشرة في مناطق واسعة جداً مثلاً في وادي دجلة ومنطقة سنجار حتى نصيبين ، وكانت منتشرة بين المسيحيين في عهد الدولة الساسانية وكذلك بين أيزيدية آسيا الصغرى .
وفي مقالة للكاتب صدقي عز الدين يقول فيها : من الملاحظ في القاموس اللغوي كلمة ( oscar ) والتي تلفظ بصيغة ( os- kar ) وهي اسم علـم مذكر ومركب مكون من مقطعين هما ( os+car ) وهو مأخوذ أصلاً من كلمة ( osgar ) ومدلول المقطعه يعني ( Os ) ويعني ( God ) أله ، أما كلمة ( Gar ) فتعني ( spear ) تعني الرمح ، أذا فأن معنى الكلمة هو رمح الاله .
كذلك بالنسبة لكلمة ( oswald ) وهي مركبة ايضا من مقطعين هما ( os ) وتعني الاله و( wald ) ويعني القوة ومن هذا الاستنتاج يتضح لنا بان معنى الكلمة هو قوة الاله .
كذلك فأن لكلمة ass النورسية تعني اله .
لنعود الى كلمة طاؤوس وكما هي باللاتينية ( Tawos ) ، المعلوم ان كلمة Taw أو Tav تاو او تاف في الكوردية تعني النور أو الشعاع ، حيث ان كلمة تاؤوس مركبة من مقطعين هما تاو + ؤس ومن هذا يتضح لنا معنى الاسم وهو نور الاله أو الاله النور .
كذلك فان كلمة تاو لها مرادف وأشتراك في اللغات الهندو أوربية كما هي بالنسبة ( ؤس ) وقبل الدخول الى المقارنة أود أن اوضح مايلي حرف الواو يمكن ان يصبح حرف ( ف ) والتاء الى ( د ) ، كذاك يتغير حرف ( v ) الى ( w ) و(T ) الى ( d ) و( H ) الى ( S ) حسب قانون hremm slaw ذلك القانون الذي استطاع تحديد التغييرات الحاصلة في الحروف الهجائية ذات النهايات الساكنة في اللغات الهندو أوربية ، مقارنتها مع كلمة ( deiw ) والتي تعني النور أو الشروق ، والتي هي أصلاً جذر هندو أوربي ، ولها العديد من الأشتقاقات مثل السماء الاله الفضاء الجنة . ووجوده بصيغة ( deiwos ) وهو أله السماء لدى الأقوام الجرمانية ، كذلك وجدت بصيغة ( Tawaz ) أيضاً لديهم حيث كانت في الأنجليزية القديمة بصيغة ( Tiw ) و ( Tig ) وهو الأسم الذي أطلق على أله الحرب والسماء في آن واحد وتدريجيا أصبح بصيغة ( Tiu ) وكما ذكرنا سابقا ً انه كرم باطلاق هذه التسمية على يوم الثلاثاء ( Tuesday ) أي يوم تاؤوس ، ووجدت لدى الاقوام النورسية بصيغة Tyr وهو أسم الذي اطلق على أله السماء لديهم أما مقارنتها مع اللغات اللاتينية حيث وجدت العديد من الأشكال والأشتقاقات وكما يلي :
( ( Deus وتعني Deity أي إلهي أو الوهية .
( Divus ) وتعني سماوي ، الهي ، مقدس ومنها أشتقت الكلمتان Diva و Divine .
( Dive ) وتعني الاله الخصب المثمر الغني .
مع وجود لاحقة وبصيغة ( Deiw-yo ) المنير ، المضيء ، كما هو الحال في كلمة ( Diana ) والتي تعني الاله او اله القمر ( Moon goddess ) .
في السنسكريتية وجدت بالشكل التالي :
( Devah ) كذلك Devas وكلاهما يعني اله كما هو الحال في كلمات Devi ، Deohar;Devanagri .
6- في الافستيا كلمة Daeva تعني Demon وتعني مارد ، عفريت أو جن .
ومقارنتها مع كلمة ( Dye ) اللاتينية وبصيغة ( Dies ) والتي تعني النهار – الفترة التي تشرق الشمس فيها فقط – أيضاً وجدت بشكل تركيب بصيغة ( Pater-Dyeu juppiter ) .
وأخيراً وجدت في الأغريقية بصيغة ( Zeus ) وهو أله أغريقي معروف ، كذلك بصيغة ( Delos ) والتي تعني النظيف بالمصطلح الفكري .
مما ذكرناه يتضح لنا :
مقارنة ( Tiwaz ) الجرماني مع ( Tawos ) الكردي لهما نفس المعنى والمدلول ، كذلك الاعتقاد السائد ولحد الان بين الكرد المسلمين بعدم الاغتسال يوم الثلاثاء ، والذي هو يوم تاوؤس كما هو لدى الأقوام الجرمانية ماهو الا توارث ورثته الأجيال عن الأعتقاد الديني القديم بعدم القيام بأي نشاط يوم الثلاثاء لأنه يوم تاؤوس .
مقارنتها مع اللغات اللاتينية في ( Deus ) أو ( Diva ) أو ( Dives ) أو ( Deiw-ye ) والتي لها نفس المعنى والمدلول على وجه التقريب للدلالة على الصفة الالهية .
في السنسكريتية ( أم اللغات الهندية ) يتطابق بالمعنى والمدلول في ( Devi ) أو ( Devanagari ) مع الكوردية .
أما بخصوص الأفستيا ولها مدلول مغاير وقد أشرنا الي ذلك في أعداد سابقة من مجلة لالش وهو أن ( Diva ) الأفستي هو الجبار الذي يعبد خوفا من بطشه . (30 )
ويحاول باحث آخر أن يعطي دليلا أثرياً ويربط هيكل طاؤوس مع الطيور المقدسة الاشورية التي نراها على منحوتاتهم .
لا يحتاج المتابع لكثير من الجهد , ليجد العلاقة الوثيقة بين الشمس وكثير من المفاهيم والعبادات القديمة , فكلمة وشكل الشمس تكرر في العديد من النقوش والكتابات القديمة .
فالشمس في الديانات الوثنية استقطبت العديد من المفاهيم الرمزية المتعلقة بعلاقة الأنسان بالألهة وكانت غالبا محورا للعبادات والطقوس , وهي دائماً رمز معنوي ومادي لهذا العبادة وترمز في كل الأحوال للقوة والنور والضوء والدفء , وكان العرب قديماً يعبدون الشمس بأعتبارها اله, ومن الجدير بالذكر أن احد فروع قبيلة قريش تسمى (( عبد شمس )) , فالديانات الوثنية التي كانت الشمس محور عبادتها , كانت ابتهالاتها لهذا الاله يرتبط بحركته في السماء .
أما ( هنري لايارد ) فيقول أن هذه الطيور نوع من العفاريت التي تفرض نفوذها على البشر ويربطها مع الطيور في الديانة الزرادشتية والتي يصفها زرادشت بأنها قوى صادرة من الاله ، ويقال بأن أشكالاً من هذه الطيور كانت مصنوعة من الذهب موضوعة في قصر ملك بابل لها علاقة قوية بالسحر .
وتعتقد طائفة الدروز بأن طير الطاؤوس كان الرسول الخادع لآدم وحواء ، وهم يطلقون – أي الدروز – أسم الطاؤوس على مبتدعي المذاهب المخالفة لمبادئهم ، وهذا نفس ماقام به زرادشت ، وربما يطابق طاؤوس الأيزيدية مع دروزي ، أي العجل المقدس عند الدروز . والأيزيديون على رأي الكاتب يعبدون مبدأي الخير والشر ، فيعتقدون بالكائن الأعلى والذي اشتق منه أسم الأيزيديين ، ويمكن مقارنة ماجاء حول ذكر الطاؤوس والعجل المقدس مع رأي الكاتب ( علي الشرقي ) بين تضحية الثور عند الأيزيدية في عيد الجماعية . ( 31 )
في تاريخ ألأديان تبين بأن الشعوب التي كانت تعبد الشمس كانت ترمز لها بأنواع متباينة من الطيور، فعند المصريين القدماء كان الباز رمزه وعند الأغريق الوز وعند الهنود طير النسر ، أما عند ألأيزيديين فكان ولازال طير الطاؤوس رمز إله الشمس وأنقلب تسميته بمرور الزمن وبتأثير ألأديان ألأخرى الى الملك طاؤوس. أما في الديانة الهندية القديمة فيرمز طير الطاؤوس الى إله الشمس وهناك إشارة تاريخية الى أن الطاؤوس لم يكن موجودا" في وادي الرافدين بل جاء على هيئة ضريبة من الهند، ففي ألألف ألأول قبل ألميلاد يصف الحاكم ألأشوري توكلتي ئبيل ئيسار (745-727 ق م) بأن من بين ضرائبه "طير سماوي أجنحته ذا لون إرجواني" وكان هذا الطير هو طير الطاؤوس الذي موطنه من الهند ولم يكن من قبل ذلك معروفا" في وادي الرافدين.
إن تعدد ألوان وجمال طير الطاؤوس أدت بالايزديين الى ربطه بالملك طاؤوس وجعله رمزا" له لمطابقته مع منبع الفكرة الفلسفية المثرائية التي قدمت على ألأيزيديين حوالي 2000 سنة قبل الميلاد من الهند الى كردستان، لذا ليس هناك تعارض في أرتباط طير الطاؤوس بأله الشمس ألأيزيدي طاؤوس ملك. إن طير الطاؤوس كان معروفا" لدى الأكراد قبل مجيئ ألإسلام كرمز لإله الشمس لأن عبادة الشمس كانت سائدة في المنطقة:
" ولابد من ألإشارة الى أن عبادة الشمس كانت سائدة بين عديد من الشعوب القديمة منها الهندو – أوربية كالهندوس والفرس والكرد. يقول (لانكلة: M. Langies ) المستشرق الفرنسي أن الشمس التي ترى على النقود ألايرانية القديمة آتية من عبادتها من العصور السالفة ويضيف كسروي بأن الطاؤوس كان يحتل أحيانأ" مكان الشمس هذا على تلك النقود. ) ( 32)

ومن خلال أناطة أدارة شؤون العالم بالملائكة السبعة كل وفق أختصاصه الذي كلفه به الخالق ، فأن الأيزيدية تقر بأن خلق الأنسان منوط بمشيئة الله وحده ، فهو الصانع الكريم لكل شيء ، وأن الملاك عزازيل هو كبير الملائكة وأعظمهم .

وهناك من يرى بأن قصة الملاك ( عزازيل ) ، ورفضه السجود لآدم ، وطرده من أمام مرأى الله ، هو اعتقاد قديم معروف لدى اليهود ، والمسيحيين ، والمسلمين على حد سواء ، وبات أسم عزازيل اليوم قليل الاستعمال ، وأبدل بالمصطلح التعسفي المستخدم من قبل العقائد الأخرى . ( 33 )

ويتابع الحسين بن المنصور الحلاج في طواسينه أن الله قال له استكبرت ، قال : لو كان لي معك لحظة لكان يليق بي التكبر والتجبر ، انا الذي عرفتك في الأزل ( أنا خير منه ) ، لأن لي قدمة في الخدمة ، وليس في الكونين أعرف مني بك ، ولي فيك إرادة ، ولك في ّ إرادة ، إرادتك فيّ سابقة ان سجدت لغيرك ، فان لم أسجد فلا بد من الرجوع إلى الأصل ، لأنك خلقتني من النار ، والنار ترجع إلى النار ، ولك التقدير والأختيار . ( 34 )

الهوامش

( 1 ) إسماعيل بك جول – اليزيدية قديما وحديثا – منشورات الجامعة الأمريكية بيروت 1934 ص 73

( 2 ) ) صديق الدملوجي – اليزيدية –مطبعة الاتحاد – الموصل 1949 الصفحة الأولى

( 3 ) د . سامي سعيد الاحمد – اليزيدية احوالهم ومعتقداتهم – مطبعة الجامعة – بغداد 1971/ الجزء الثاني ص10

( 4 ) سعيد الديوه جي_ اليزيدية– مؤسسة دار الكتب جامعة الموصل 1973 ص119

( 5 ) أحمد ملا خليل – من أذربيجان إلى لالش – تحقيق وتعليق د. خليل جندي – مطبعة سبيرز دهوك 2006
( 6 ) د. روزاد علي – بعض ملامح المعتقدات الدينية في جبل الكرد ( عفرين ) في فترة ماقبل الميلاد صفحة عفرين نت (http://www.efrin.net/cms/erebi/index.php?option=co )

( 7 ) عامر حنا فتوحي – الكلدان .. منذ بدء الزمان – دار النعمان للطباعة والنشر – ديترويت 2004

( 8) الدميري – حياة الحيوان الكبرى /ج2- منشورات الشريف الرضي 1396 هـ مطبعة الحلبي القاهرة ص 279
( 9) ابن ابي الحديد – شرح نهج البلاغة –المجلد الخامس – الجزء التاسع – تحقيق محمد ابو الفضل أبراهيم – دار احياء الكتب العربية عيسى الحلبي – القاهرة 1967 ص 266
( 10 ) القاموس المحيط – للفيروزآبادي – طبع مؤسسة الرسالة – بيروت 1987 ص 715
( 11 ) د. ممو عثمان – مقالة منشورة في صفحة الكاتب العراقي / المدار على الأنترنيت

( 12 ) د. بير ممو – صفحة داسن – منشورة على الأنترنيت

( 13 ) سيد محمود القمني – الأسطورة والتراث – سينا للنشر القاهرة 1993 ص 38

( 14 ) هوشنك بروكا – الأيزيدية والطقوس الدموزية –المانيا – صفحة لالش
( 15 )عباس محمود العقاد _ ابليس – الطبعة الثالثة شركة نهضة مصر للطباعة والنشر القاهرة 2003
( 16) زكريا القزويني – عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات –دار الافاق الجديدة بيروت 73 ص91
( 17) سعيد الديوه جي_ اليزيدية– مؤسسة دار الكتب جامعة الموصل 1973 ص 120
( 18) سعيد الديوه جي – المصدر السابق –ص 121
( 19 ) الدكتور خليل جندي – نحو معرفة حقيقة الديانة الأيزيدية –السويد دار رابوون 1998 ص36

( 20 ) الأمام عز الدين المقدسي - تفليس إبليس/ مطبعة مدرسة والدة عباس الأول، القاهرة، 1906، ص 11

( 21) خدر بير سليمان – تقاليد القرية الايزيدية –ترجمة عيدو بابا شيخ الطبعة الأولى بيروت 85 ص 11 و22
( 22 ) أبو داسن – حول مفهوم الشر في المعتقدات - مقالة منشورة في مجلة روز العدد 10
( 23 ) صديق الدملوجي – اليزيدية –مطبعة الاتحاد – الموصل 49 ص10
( 24 ) سعيد الديوه جي – اليزيدية –المصدر السابق ص 120
( 25 ) القس سليمان الصائغ – تاريخ الموصل –الجزء الاول ص 296
( 26 ) محمد عبد الحميد الحمد – الديانة اليزيدية بين الاسلام والمانوية –دار الاوائل للنشر – دمشق 2002 ص 227- 228
( 27 ) الدكتور خليل جندي – نحو معرفة حقيقة الديانة الأيزيدية –المصدر السابق ص 122
( 28 ) د . سامي سعيد الاحمد – اليزيدية احوالهم ومعتقداتهم – مطبعة الجامعة – بغداد 1971 ص29
( 29 ) زكريا القزويني – عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات –المصدر السابق ص 91
( 30 ) صدقي عز الدين البيرموسي – مقالة بعنوان ( طاووس ملك وعلاقته بالأديان القديمة ) منشورة في مجلة لالش العدد 13 – دهوك آب 2000 ص 9-12
( 31 ) د. خليل جندي – المصدر السابق – ص 36-37

( 32 ) د. بير ممو – المصدر السابق

( 33 ) جون س . كيست – الحياة بين الكرد .. تأريخ الأيزديين – ترجمة عماد جميل مزوري – دار سبيرز دهوك 2005 / ص 81

( 34 ) الحلاج الحسين بن المنصور – الطواسين تحقيق لويس ما سينيون دار الينابيع دمشق 2003 ص 154

Dr. Roland Bell, M.A.: Chaukeddin Issa - Das Yezidentum. Religion und Leben


Hinter dem Autor steht als Herausgeber das Yezidische Forum e.V. Oldenburg.
Das Buch soll der wenigen deutschsprachigen Literatur zum Yezidentum „eine gewichtige Selbstdarstellung“ hinzufügen, die „einen umfassenden Einblick in die Religion und das Leben der Yeziden (gibt) - in einer Form, wie sie bisher noch nicht veröffentlicht wurde.“1

Die Religion stellen Issa und Gastautoren auf gut 130 Seiten in 22 Unterkapiteln dar. Hier werden etwa Ursprünge, heilige Bücher, Schöpfungsgeschichte und Tausi-Melek2 behandelt. Auch auf die Führung der Gemeinschaft, auf religiöse Regeln und Gebote, bedeutende historische Persönlichkeiten sowie das Verhältnis zu Juden, Zarathustriern, Christen und Muslimen geht der Autor ein.

Nach diesem Teil folgen rund 30 Seiten Gastbeiträge zur Lage der Yeziden im Irak, in der Türkei, in Syrien, Georgien und Armenien sowie zur Asylpraxis in Deutschland, bevor ein zusammenfassender Ausblick gegeben wird.

Die Situation der Yeziden in Armenien wird als bedrängt beschrieben. Bei den anderen Ländern gehen die Einschätzungen darüber hinaus. Gefährdet seien Yeziden im Irak in einer Weise, die die der übrigen Bevölkerung weit übersteige. Es wachse die Gefahr massenhafter Verfolgung vor allem in Regionen, in denen keine institutionelle Macht ein Mindestmaß an Rechtlichkeit durchsetzen könne (S. 179). In der Türkei, Georgien und Syrien sei von Gruppenverfolgung auszugehen. Widerrufe des Flüchtlingsstatus müssten abgelehnt werden. Kritisch bewertet ein Gastautor die deutsche Asyl- und Ausländerpraxis. Hier wären „Flüchtlinge von dem gnadenlosen Verteilungssystem für Asylbewerber namens EASY (...) in der Bundesrepublik ausgesetzt“ worden (S. 189). „Da blieb manche Familie isoliert in Gegenden hängen, in denen Käfighaltung auch für Menschen der Standard war“ (S. 190). Der Autor konstatiert weiter: „Es muss ein parkinsonsches Gesetz geben, wonach freundliche Menschen in Behörden von solchen verdrängt werden, die ihre Kundschaft hassen.“ (S. 194). In diesem Zusammenhang wird von „Misshandlung“ (S. 194) und „Verfolgungen“ (S. 195) gesprochen. Dem Bundesamt wird vorgeworfen, in seinen Widerrufsanschreiben sei „nicht selten“ von „Abschiebung die Rede“3 (S. 192).

Differenzierter äußert sich demgegenüber der Gastautor Tolan in seiner Zusammenfassung. Er stellt fest: „Die Integration der Yeziden verläuft nicht immer reibungslos, sie ist aber gerade bei der zweiten Generation sehr weit fortgeschritten.“ (S. 202). Auch dazu, was von Medien und Interessenvertretern oft übersehen oder nicht erwähnt wird, äußert sich Tolan: „Ein wesentliches Ziel der Yeziden ist die Einbürgerung, und dem Teil, der aus der Türkei stammt, ist dies auch in großem Umfang gelungen. Den Yeziden aus anderen Ländern, die oft jahrelang mit Duldung existieren, 4 ist dieser angestrebte Weg der Einbürgerung rein rechtlich meist versperrt. Gleichwohl werden auch sie ihr weiteres Leben in Deutschland verbringen, Abschiebungen sind derzeit kaum möglich. (S.203). Rund 80 Seiten religiöse Texte (Qewls5) sowie eigene Gedichte Issas schließen das Buch ab.

Dr. Roland Bell, M.A.
1 www.yezidi.org/ . Eine prägnante Darstellung der Religion bietet der EE-Brief 1/2001, S. 1 f. u. 3/2001, S. 4 f.
2 Gottengel, der in Vogelgestalt, als Pfau, dargestellt wird. Es ist verboten, den Namen des Teufels (shaitan) auszusprechen, da aus ihm der göttliche Tausi-Melek (auch Melek Ta ’us) wurde (s. EE-Brief 1/2001, S. 1).
3 Sofern eine Aufenthaltsbeendigung ausscheidet und keine besonderen Umstände vorliegen (z.B. § 3 II AsylVfG), führt das Bundesamt Widerrufsverfahren grundsätzlich nur bleiberechts neutral durch, d.h. ohne eine Entscheidung zu § 60 II ff. AufenthG. Damit fehlt es schon an einer notwendigen Voraussetzung für aufenthaltsbeendende Entscheidungen, die zudem nicht das Bundesamt, sondern die Ausländerbehörde zu treffen hätte. Eine etwaige Aufenthaltsbeendigung ist nicht mit einer Abschiebung gleichzusetzen (§ 58 I AufenthG).
4 Diese Aussage ist heute zu pauschal. Seit dem ZuwG soll Ausländern eine Aufenthaltserlaubnis erteilt werden soll, wenn ein Abschiebungsverbot nach § 60 II, III, V, VII vorliegt (§ 25 III 1 AufenthG).
5 Religiöse Gedichte, Erzählungen und Lobhymnen zur Weitergabe der Religion, „religiöses Gedächtnis der Yeziden“ (Rashow, S. 87 mit näheren Erläuterungen).

Chaukeddin Issa
Das Yezidentum. Religion und Leben, Oldenburg
2007, 291 S. • 14,50,
ISBN 978-3-98107-514-4

Quelle: Entscheidungen Asyl - Ausgabe: 4/2008 25.04.2008 / Herausgeber:Bundesamt für Migration und Flüchtlinge

النبش والتنقيب في التأريخ الأيزيدي القديم القسم الاول

كمدخل للغور في عمق الديانة الايزيدية لمن يريد التعرف على تفاصيل اكثر سعة وعمق للكشف عن تاريخ نشوء هذه الديانة العريقة والغارقة في القدم ، ينبغي التوقف ملياً أمام ظواهر لايمكن لها ان تكون عابرة في الميثيولوجيا الايزيدية أو في ثنايا التأريخ المطمور .
مما يوجب متابعة الاسس الروحية والفكرية لهذه الديانة الغارقة في القدم والتي تجد لها الأمتداد والترابط من خلال الأعتقاد بالالهة المتعددة التي تتشكل دون الاله الكبير ( الله – خدا في اللغة الكردية ) ، وان الملائكة الارباب سبعة مع أهمية أعتماد الرقم في جميع الديانات ، ومن خلال تقديس بعض الظواهر الكونية ، ومن خلال الأيمان بالحلول والتناسخ ، ولايمكن الأقتناع أو القبول من أن مثل هذه الديانة تؤسس من الفراغ أو انها تشكلت من المجهول ، او أنها تكونت من رغبات شخصية أو ذاتية ، ومن يقرأ جزء من أسس الديانة الأيزيدية يستطيع ان يتلمس معالم ديانة لها جذور تدعو الى توظيف حركة الأنسان الى أعمال الخير ، كما تنظم حياته وفق هذا الأساس ، وتضع معايير لأعمال الحلال والحرام ، والذاتي دائماً يعتريه الخلل والنقص من خلال محددات الرغبة والقصد ، وغالباً ما ينتهي ويضمحل مع انتهاء الذات التي شكلته أو التي ساهمت في تكوينه لأنه يرتكز عليها ويستمد ديمومته منها ، غير أن المقياس الذي نستطيع أن نرسمه في سماء مثل هذه الديانة القديمة ، هي قضية التوحيد والأيمان بأن الله واحد وهو الخالق الأزل الذي خلق الكون وجلس على عرشه فوق الماء ، وتتمسك الأيزيدية بالتكوين التدريجي ، أذ تؤمن بأن الله خلق عدد من الملائكة ، وكل ملاك له وظيفته واختصاصه ، كما تؤمن الأيزيدية بأن الله خلق الكون من العناصر الأربعة ، وهي الماء والهواء والتراب والنار ، ومثل هذا الأيمان الدقيق في تفصيل اهمية المواد التي تتشكل منها الحياة ، لاتأتي أعتباطاً ، أنما تتكون من خلال دلائل عميقة تؤكد معرفة تفصيلية بالعقيدة والخلق وتفاصيل الكون .
ثمة من يسأل عن أسماء الأوائل الذين جاهروا بهذا الدين ، والذين نشروه بين الناس ، وثمة من يسأل أن كانت هناك أسماء قبل الشيخ عدي بن مسافر برزت في خضم الصراعات التي واجهت الديانة الأيزيدية ، فأن كان زرادشت قد نشر ديانته في المنطقة ، فأنه واجه الايزيدية التي تشبثت بديانتها ، وتباهوا من انهم اول من ابدل عبادة الظواهر الكونية باله التوحيد ، وهم ايضا اول من توصل لفكرة طاؤوس ملك ، فأطلق زرادشـــت على كل من لايؤمن بديانته لقب ( عبدة العفريت ) أو عبدة الشر ، ويمكن ان يكون زرادشت أول من أطلق هذه الالقاب التي لحقت بالأيزيدية والتي تم ترويجها واستخدامها للنيل منهم وايجاد الذرائع لقتالهم والقضاء على ديانتهم بعده ، علماً بأن الزرادشتية أتخذت من آلهة الظواهر الطبيعية ملائكة لها بينما تمسكت الايزيدية بالملائكة الخاضعين لارادة الله ، ومن الطبيعي ان يحدث التصادم والتأثير بحكم الوجود الفعلي لديانتين يدين بهما الناس في المنطقة ، غير ان الايزيدية بقيت قائمة ولم تتأثر بالدين الجديد بالرغم من الانتشار الواسع للزرادشتية واعتبارها ديناً للدولة الأخمينية والساسانية والميدية فترة لاتقل عن قرن من الزمان ، ويبدو ان العقلية الدينية السائدة كانت منفتحة وواعية وحريصة على التطبيق السليم في أقناع الناس بدلاً من إجبارهم وقسرهم على تغيير ديانتهم ، ولذلك لم نقرأ عن مجازر وحروب وملاحقات وقتل للأيزيدية مثلما حصل لهم في الزمن الحديث ، وبعد ذلك انحسرت الزرادشتية في حين بقيت الايزيدية قائمة رغم مالقيت من مصائب واهوال .
يقول الكاتب ماكس هورتن في كتابه الفلسفة ص 127 ان هناك من يذهب ليؤكد ان العقيدة الايزيدية ماهي الا تاكيد لعبادة النور وتمثل طورا للثنوية الفارسية القديمة والتي نراها واضحة المعالم في الزرادشتية والمانوية ، ولو كانت الايزيدية كما ذكر ماكس هورتن لصار تقديس الضوء أو النار بديلاً عن الأرباب وبديلاً عن تقديس طاؤوس ملك وحتى عن الخالق الاله الكبير ، ولكن الأشتراك الفعلي في تقديس الظواهر الكونية دون أشراكها بوحدانية الله فيما ورد حيث يكون الاله الكبير الخالق الأزل فوق جميع الأرباب وتليه المقدسات متدرجة حسب أهميتها وقربها من الاله دليل على تقادم هذه الديانات وأشتراكها في مكونات تناقلتها وألتزمت بها بدليل أن عبادة تموز كانت شائعة في وادي دجلة وفي المنطقة المحيطة بجبل سنجار وحتى نصيبين ( مجلة المقتطف المجلد 49 سنة 1916 ص 325 ) بالاضافة الى الفوارق الكبيرة في تشكيل صفات الاله تموز لدى البابليين وبين صفات وشكل طاؤوس ملك لدى الأيزيدية .
كما أن أسماء الالهة التي كان يطلقها الأيزيدية عليها ينسجم مع أسماء الالهة السومرية والقديمة ، فالالهة آنو وأنليل ( اله الشمس ) وأنكيدو ونانا وأنانا وآتو ، والتي تزاحمت فيما بينها ليحل احدها محل الاخر كان كل منها يشير الى معنى معين في الفكرة الاساسية ، فانانا سيدة السماء والهة النور ، وتمـــوز العائد من الموت دليلاً على عدم فناء الروح التي تعود حتما ، كما ان انكيدو صار بشرا حين اكل القمح الذي عده القدماء وشاركهم الايزيدية بهذا الاعتقاد مقدساً ، وهذا الأمر يدحض الأفتراض الذي يزعم أن الأيزيدية مذهب منحرف أنشق عن اليهودية أو المسيحية أو الأسلام ، وتمسك الأيزيدية بالتناسخ والحلول دليل على أنها كانت تلتزم بهذا الأعتقاد قبل أن تحل كلا الديانتين ، وهذا الأعتقاد ربما يخالف العديد من الديانات التي سادت في المجتمعات في القرون الأخيرة حين حل الدين الأسلامي وماقبله من العقائد التي لاتؤمن بالحلول والتناسخ ، وهذا الأمر يقود للأعتقاد بأن الديانة الأيزيدية كانت تعتقد في عقيدتها على خلاف كبير مع الديانات والعقائد الأخرى ويمكن أعتبار قضية تقديس الشمس في العقيدة الأيزيدية من القضايا التي لم تلتزم بها الأديان المتسلسلة ، كما نلفت الأنتباه الى قضية غاية في الأهمية تكمن في قضية الأنغلاق الديني للعقيدة الأيزيدية حين لاتقبل الأنتماء اليها من خارج ابنائها ، كما لاتقبل عودة من خرج منها لأي سبب كان ، بالأضافة الى محرمات صارمة للزواج بين الطبقات الايزيدية نفسها ومع هذا الأمر الصارم بقيت الأيزيدية تتكاثر وتتوسع يوماً بعد يوم ، ولم تلتزم بهذه الطريقة في محرمات الزواج سوى الديانة المندائية فقط من بين الاديان ، وهي ايضا من الديانات العريقة والقديمة التي حافظت على قوامها الديني وحيويتها ، بينما أحل الأسلام الزواج من غير المسلمات وأحلت المسيحية الزواج من غير المسيحي مع بقاء المسيحية على دينها ، وجعلت اليهودية الأبناء من الزوجة اليهودية المتزوجة غير اليهودي يتبعون دين أمهم اليهودية فهم يهود بالولادة .
وتشكل فكرة الرمز ربما اشتراك مع بقية الديانات ، غير أن رمزية طاؤوس ملك وما يعنيه ويشير اليه في الميثولوجيا الأيزيدية ، يعبر عن خصوصية هذه الديانة وقدمها ، ومن اللافت للنظر أن يكون الطاووس رمزاً منرموز الديانات القديمة كالديانة السومرية وكان على الاغلب يمثل فكرة الخير والجمال ، ولم يكن يشير الى الشر التي يتناقض معها مطلقاً ، وحين صارت الايزيدية تسمي الملاك الكبير طاؤوس ملك قبلة التقديس ، اتهمهم اعداؤهم بعبادته اولا ومن ثم افتراءهم من كونه اشارة الى ملك الشر ، واذا كان الايزيدية يحتفلون بعيد راس السنة كل عام والذي يصادف اول يوم اربعاء من نيسان الشرقي ، لكون هذا اليوم في اعتقاداتهم الدينية يوم خلق الملاك طاؤوس ، مما يوجب نبش العديد من التلال التأريخية لمعرفة المزيد من الحقائق عن هذه الديانة ، فليس اعتباطاً أن ينتشر أتباع الأيزيدية في عدد من البلدان المجاورة للعراق ، مع ان ثمة من يجد أن هذا الأنتشار سببه الأضطهاد الديني والملاحقة وهروب الأيزيدية بأرواحهم من الموت الى تلك المناطق ، غير أن أيزيدية لم يزلوا يقيمون في مناطق أرمينيا ( أريفان ) وفي تركيا وسورية ، بل هناك أقوام تتشابه مع ما يعتقد به الأيزيدية في الهند وفي جمهورية الصين ، ولعلهم حقاً من الأيزيدية ، غير أن التباعد والغربة وعدم وجود ترابط بينهم أدى الى عدم انسجامهم وتطابقهم ، مع أن هناك قواسم مشتركة في بعض العقائد والطقوس والأمر بحاجة الى تحقيق وتدقيق .
يتحدث بابا الأرمن في أرمينيا ( فاسكين الأول ) بتاريخ 11/9/1992 فيقول : أن الأيزيدية في ديارنا موجودين منذ القدم ، وهم من اهل أرمينيا المنسجمين مع بقية الديانات ، ومن المشتهرين بالنزوع نحو الخير ، وعددهم في أرمينيا لايستهان به ، وكان عدد من عائلة الأمراء قد زارهم والتقى بهم وحثهم على الأتصال بالقيادة الدينية للأيزيدية .
ولايغب غن بالنا المعاني الدقيقة للأعياد والمناسبات الدينية لدى الأيزيدية ، والعديد منها تترابط نع الأعياد التي يتمسك بها السومريين والبابليين القدماء في وادي الرافدين ، بالأضافة الى حلول العديد من الأساطير التي كانت سائدة في العراق القديم بين الأيزيدية ، ولم تزل المجتمعات الايزيدية تتداولها كنمط من أنماط التراث الشعبي .
ثمة من يسأل عن الفترة التي سبقت مجيء الشيخ عدي بن مسافر قدس الله روحه الى لالش ليجدد الديانة الأيزيدية ، ثمة من يلح في كشف تلك الفترات التي تعاقبت منذ انتشار الديانة الأيزيدية بين الناس ، وعلاقتها بالديانة الزرادشتية التي حلت في منطقة فارس وكردستان وأنتشرت بشكل واسع وعميق ، ثم علاقتها بالديانة اليهودية التي كانت منتشرة في كل المنطقة ، وخصوصاً في منطقة كوردستان قبل ان تحل الديانة المسيحية ، وهي كما نعلم من الديانات التبشيرية ، بالأضافة الى مجيء الاسلام وأنتشاره بين المنطقة ، وأيمان الناس به بالأضافة الى كون الأسلام من الديانات التي تقبل الأيمان والأنضمام به ولايقبل الخروج او الأرتداد عنه ، ومع مجيء مثل تلك الديانات ماهو تأثيرها وفعلها على الديانة الأيزيدية ، وماهو القاسم المشترك بينها ؟ وكيف تعاملت تلك الديانات بينها ؟
وحين يتم اختلاق القصص حول اصل المعبد المقدس ، فأن الأمر لايعد الا الأستمرار في منهج التحريف وأعماء الحقائق بحق الأيزيدية ، ولو تركنا معبد لالش وتربة الشيخ عدي بن مسافر ودخلنا الى تلك الغرفة المنقورة في الجبل والتي تضم اصل المعبد كما يقول الباحث والاثاري السيد عبد الرقيب يوسف ، مع ان بعض الاثاريين اشاروا من انها مخزن لحفظ زيت الزيتون الذي يستخدم لانارة المعبد ، كما انهم لم ينتبهوا الى الاشكال والرموز المنقوشة على الجدار الغربي للمرقد ، وقد يكونوا أنتبهوا وصرفوا النظر ، ولكن الحقيقة الواضحة تكمن من كون موضع ( الجله خانة ) المؤلف من عدد من الغرف الغارقة في الظلام الدامس هي قديمة أقدم من قبر الشيخ عدي ومن كل بناء المعبد الجديد ، ويذكر السيد عبد الرقيب أن جوانب وأسطح بعض الصخور منقوشاً عليها رسوماً للشمس وبعض الأشارات الدينية القديمة الأخرى ، ولو كانت تلك الرموز تخص ملة من الملل في اقصى الأ{ض لتمت دراستها وفحصها والأهتمام بها ، ولكن الأمر يختلف مع الأيزيدية الذين ظلمهم الزمن وتكالبت عليهم المحن وجار عليهم الناس المجاورين لهم .
كما كنت قد شاهدت مع كريفي الأيزيدي الأستاذ عمر خضر حمكو في العام 1994 نقوشاً وكتابات أيزيدية على الجدار الخارجي للمعبد المقدس ، وهي بارزة ولافتة للنظر ، غير أن الطبيعة كانت تعمل على أخفاء معالمها وأتلافها لتعرضها للمطر والشمس والتقلبات مما يتلفها ويجعلها في طي النسيان ، ولم نكن نحمل جهاز تصوير حينها حيث كانت زيارتنا للمعبد سرية دون علم السلطة التي ربما حكمت علينا بالموت وهي تعلم بأن قاضياً يزور معبد الأيزيدية المقدس الواقع ضمن منطقة كوردستان المحررة .
ومن هذه النقطة نعود نكرر ندائنا الى المنظمات الدولية والجهات المختصة في الأمم المتحدة ونوجه أنظارها لما يحتويه المعبد المقدس وما يجاوره من التلال من أسرار ونقوش ورسوم جديرة بالدراسة والحفظ لكونها تعود لأزمنة غابرة وقديمة سحيقة ، وأن لم تكن بقصد البحث والتقيب الاثاري لأثبات قدم الديانة الأيزيدية ، فأنها خدمة للأنسانية والتراث البشري .
وبأستثناء محاولات الدكتور الباحث خليل جندي وهي من المحاولات الجادة والمهمة لم يحاول أحد النبش في التأريخ الأيزيدي القديم ، مع ان الباحث والمفكر السوري الموسوعي فراس السواح ساهم في أرساء دعائم التحليلات واسماء الالهة والبحث في ماهية الديانات ومنشا الدافع الديني في كتبه العميقة مغامرة العقل الاولى ولغز عشتار ودين الانسان ليؤسس ارضية تاريخية للبحوث التي تريد النبش في تاريخ الديانات القديمة ومنها الايزيدية على سبيل المثال .
وأذا كنا نستطرد العلاقة بين الديانة المثروية التي سادت في مدينةالحضر ( Hatra ) ، والتي كانت ضمن مناطق أنتشار الديانة الأيزيدية ، وبتدقيق المتقاربات بين الديانتين وقوة التأثير التي تجسدها الطقوس والأعياد ، سنجد العديد من الشهادات والقرائن التي تدلل على وجود الأيزيدية في مناطق الحضر ومنها تسللت الى مناطق شرق سوريا ، ومن يتمعن في طقس التضحية مع ان الطقس يمكن ان يكون قاسماً مشتركا بين الديانات ، الا أن اشتراك المثرائية مع الديانة الأيزيدية من أن يكون التضحية بثور ، حيث كان اهل بابل يتمسكون بالتضحية بالثور بينما لم تتمسك بمثل هذا بقية الديانات .
وكان الأعتقاد الروحي متجذراً منذ اللحظات الاولى للخليقة ، فقد كان الأنسان دائما بحاجة الى إلهام ودوافع روحية يؤسس عليها أعتقاده ، ويتمسك بها لتعينه روحياً على موجبات الحياة والطبيعة وظواهرها الخارقة ، ومع هذه الأعتقادات الروحية تتطور العلاقة بين الأنسان والالهة أو الرموز الروحية ، وبين الذات الأنسانية وبين التطور الأنساني في فهم الدوافع الروحية للأعتقاد في وجود خالق للكون ونظام يكون الانسان جزء منه .
واذا كان الله هو الخالق الازل الذي يقول للشيء كن فيكون فانه حين يخلق الانسان ويسويه يلهمه الفجور والتقوى ، وحين يخرج الأنسان الى الدنيا يحمل بين جنبات روحه بذور الخيرونوازع والشر ، أذن أن الله لم يرد أن يزرع الشر بين الناس ولايعقل ان يعلمهم بأرادته أن يرتكبوا أفعال الشر ، انما يلهم الأنسان ويترك له الخيار في السلوك ليتحمل وزر أعماله فلا مقيد له ولامسير أجباري لأن أعماله تسجل له في اللوح المحفوظ ليحاسب عليها ، ولو كان مقيداً ومجبراً على أرتكاب المعاصي وأفعال الشر لما بقي هناك منطق او قبول محاسبته .
ولهذا فقد كانت جميع الأديان تدعو للأصلاح والتمسك بقيم الخير وأشاعة المحبة والتآلف بين الناس والحرص على الحياة البشرية والسلام والتأكيد على تجنب قيم الشر وكل الافعال التي تحدث ضرراً للأنسان ، كما تزين الحياة الأخرى ، فأنها تتوعد لمن لايتمسك بهذه القيم بالعذاب الأبدي .
وأذا أسلمنا بأن الأيزيدية تؤمن بان الله واحد وهو خالق الكون ، مما يجعل هذه الديانة من الديانات التوحيدية التي لاتشرك مع الله احد في كل الأمور ، وهي أضافة الى هذا الجانب تهتم بالحياة البسيطة التي تتناسب مع بساطة الحياة التي يعيشها المجتمع الأيزيدي ، وكل المغالاة تم أضافتها بشرياً ودنيوياً لأسباب أجتماعية أو لظروف مر بها المجتمع الأيزيدي ولاعلاقة لها بالدين ، مما يوجب أستقراء الماضي بدقة وذهن صافي متخلص من تخرصات وعقد الفترات التي اشاعت الدجل والتي انتشرت بين الناس بقصد الحط من قيمة ديانة تدعو للتوحيد وتؤمن بكل المقدسات ودون ان تحط او تنال من اية ديانة أخرى .
كما يتمسك الايزيدي بطلب المعونة من الله الكبير الأزل ، فانه لم يزل كغيره من البشر ممن يؤمنون بديانات وعقائد أخرى ، يطلب المعون والمدد من أولياء وملائكة ورموز تقل عن درجة الالوهية ، وفي هذا الأمر انسجاماً مع المطالب النفسية للأنسان غير بعيد عما تمارسه الجماعات البشرية في العديد من الديانات .
كما تشكل قضية المكان المقدس والرمزية في الديانة الأيزيدية ، قضية مهمة ودقيقة ، قد تتشابه فيها مع عدد من الأديان ، ممن تتبع قضية المكان المقدس الذي لايمكن تغييره ويرتبط بالأساطير والقصص التأريخية ، وكذلك بالرموز التي أكثرت منها الأيزيدية بحكم انعزالية مجتمعها وتعرضه للعسف والقتل ولجوءه الى الكهوف والحياة المحفوفة بالمخاطر ، وبقاء الأنسان الأيزيدي تحت رحمة وفتاوى رجال الدين ووفق مشيئتهم ومصلحتهم .
ولم نجد من بين الكتابات الأيزيدية القديمة كتابة جريئة تعزز الوجود الأيزيدي القديم قبل الديانات الأخرى ، ليس لعجز في الأثبات ، ولاتقصيراً في نبش زوايا التأريخ الأيزيدي ، وانما تخلصاً من حكم الذبح والموت الذي يصدر بحق الكاتب ، وعدم قدرة الاقلام العلمية من الخوض في غمار الحقيقة والتصدي للزخم المظلم الذي يعم عقول المجتمع في ذلك الزمن ، ممايجعل الواجب اليوم أن يتحمل المثقف ( مهما كان دينه او قوميته ) واجبه الضميري في التنقيب وأغناء الحقائق وأثراء المكتبة والدوريات ببحوث ودراسات من شأنها أن تحقق ليس فقط الفائدة ، وأنما تنوير العقول التي لم تزل تعتقد بصدقية الثقافة الظلامية التي كانت سائدة .
والظاهرة الملفتة للنظر في المجتمع الأيزيدي هي قضية المساواة والتقشف التي يعيشها المجتمع القديم ، فلا آثر للغنى والفوارق الطبقية ، والتراتيبية الدينية لاتقسم المجتمع الأيزيدي طبقياً بقدر ما أنها سعي لتكريس وضع ديني يؤسس الحياة الأيزيدية ببساطتها ، مما يجل رجال الدين يحكمون قبضاتهم على المجتمع الرازح تحت قيادتهم ، وهم بدورهم فوضوا الأمر الى أمير على مر العصور .
ووضع مثل هذا لم يزل سائداً مع فارق بعض التطورات الراهنــة التي افرزها التطور الأنساني ، لايمكن أن يكون دون وجود رابط روحي قوي ومتماسك ، والدليل الذي كان يراهن العديد عليه ، أن الأيزيدية في العصر الراهن الحديث ، وبالرغم من التطور الثقافي والأنفتاح وبروز طاقات وعقول متنورة ومثقفة ، الا انها لم تزل يشدها الرابط الروحي مع ميل نحو التطور وتهذيب مالحق هذه الديانة من تشوهات ، ومالحقها من أساطير وقصص وروايات سلبية لاعلاقة لها باساس الديانة الأيزيدية ، ولم يزل الأيزيدية يتمسكون بالتقويم الشرقي ، وهذه السنة تسبق السنة الميلادية بثلاثة عشر يوماً ، وهذا التقويم يسبق التقويم الميلادي .
ومن بين أهم القضايا التي ينبغي دراستها وتحليلها ، العلاقة بين الظواهر الكونية وبين الأيزيدية ، أذ ليس من المعقول ان تنشأ علاقة أزالتها الديانات التي لاتقديس لها للشمس مثلاً ، لتعود للتقديس عند الأيزيدية ان لم تكن مؤسسة قبل تلك الديانات .
كما أن ظاهرة الموت وهي اللغز الكبير الذي يرافق متزامناً مع الولادة ، أذ تقف الأيزيدية متمسكة بقضية عدم نهاية الروح مع الجسد الفاني ، أذ ان دورة الحياة لم تزل قائمة ، مما يستحيل معه نهاية الناس قبل المعياد الكبير ، ولهذا فأن الأرواح التي تبقى هائمة فوق المكان المقدس عند الأيزيدية ، حتى تجد استقرارها وفقاً لطبيعة ما قدمته من عمل ، ووفقاً لتمسكها بمباديء الخير وقيم الديانة الأيزيدية ، ومن الطبيعي ان تلقى النفس المحبة للخير والسلام والمحبة لتكون روحاً تحل في جسد جميل وسعيد وكريم ، على العكس من ذلك تكون الروح التي دنسها الشر والأعمال المنكرة التي حذر من ارتكابها الدين الأيزيدي .
ولم تزل الديانة الأيزيدية تتمسك بالأبتعاد عن الملذات النفسيــة في الكثير من الطقوس والشعائر ، بالأضافة الى كون طبقة من رجال الدين ممن ينذر حياته للتقشف والتصوف والأفتقار والذل والمسكنة والصيام وعدم التفكير بالتملك ، مما تفتقدهم الديانات الموجودة في منطقة كوردستان ومايجاورها من البلدان .
واذا كانت الديانة المندائية تقدس الماء الجاري ، فان الايزيدية تقدس النور والشمس مما يؤكد علاقة هذه الاديان بالظواهــر الخارقة التي كان الانسان السحيق يقدسها ويعتقد بقدرتها الخلاقة ، علماً بأن كلا الديانتين تؤمن بوحدانية الله كما ان فلسفة الوجود وما يترتب على الكائن من قدرة على العودة لممارسة الحياة وهي فكرة تنبع من اصل العقيدة الايزيدية مع ايمان الايزيدية بالجنة الخالدة ، وتسري الظاهرة المذكورة على الحيوان والانسان وعلى الطبيعة ايضا ، اذ يعتقد الايزيدية ان الله الذي خلق الكون لم يأمر بنهايته ، ولهذا فان فلسفة انفصال الجسد عن الروح التي آمنت بها ديانات قديمة وحضارات قديمة لم تزل راسخة في العقيدة الايزيدية .
ومن يستقرا الاعياد الدينية لدى الايزيدية يتاكد من نفاذ ما له علاقة بالطبيعة فيها ، اذ تجد ان للقمح اثرا مهما في عيد خدر الياس وعيد البيلندا ، وقد يقسم الايزيدي بالقمح ومن لاياكل القمح حسب اعرافهم لادين له ، كما يبالغ اخرون من ان سر الملاك طاووس ملك يكمن فيه لقدسيته ربما لأضفاء نوع من القدسية العالية الرمزية على القمح والخبز بأعتباره مادة أساسية في الحياة ، و كما يدخل في صناعة الخبز المطلي بالدهن ( صه وك ) ، وفي ملحمة كلكامش حين اقنعت المراة الاله انكيدو ان يأكل الخبز المصنوع من القمح ، تحول حينها الى كائن بشري وفقد منزلته الالوهية ، مما يجعل للقمح مكانة مقدسة بين الايزيدية ، بالأضافة الى وجود نبع ماء في لالش يعتبره الأيزيدية نبعاً مقدساً ويسمونه ( زمزم ) ، وهذا النبع قديم لم يزل جارياً حتى اليوم من أغوار الأرض وأعماقها السحيقة ولم يتم التعرف على مصدره وأساسه ، وفي كل الأحوال فأن الديانة التي تجعل من الظواهر الطبيعية ركناً مهما ً في طقوسها ومقدساتها لايمكن ان تكون من الديانات الحديثة التي أعتبرت هذه الظواهر جزء من الحياة والكون ونهت عن عبادة هذه الظواهر وتقديسها ، ولايمكن لديانة حديثة ان تتراجع عن ديانات حديثة أخرى لتتمسك بما يخالف زمنها وظروف انبثاقها قطعاً لأن التمسك بالقديم أكثر منطقياً من التعارض مع الجديد ، ويمكن ان نتفق مع ماذهب اليه الباحث الدكتور خليل جندي من ان الديانة الايزيدية من ديانات الطبيعة ومن ديانات التوحيد الاولى ، ( أنظر مقالة للدكتور خليل جندي بالصفحة 22 من دورية روز العدد الاول 1996 ) ، لأن الأشارات والعلاقة الخيطية التي تربط الأيزيدية بالديانات القديمة التي تعتمد عبادة الظواهر الكونية علاقة مشتركة في العديد من ظواهرها ، مما يوجب البحث أكثر تفصيلاً وعمقاً من هذه الناحية .
ولعل العلاقة المشتركة بين الديانة الايزيدية والمجتمع البابلي في تقديس يوم الاربعاء تشير لنا امتداد هذا التقديس الذي لم يجد له اثراً في الديانات التي تتالت على المجتمع في المنطقة ، فالحية السوداء المنقوشة على الصخر في الجانب الايمن من الباب الخارجي للمعبد المقدس والتي تخرج من بين الصخور لترتفع الى الاعلى التي رسمها الايزيدية على باب معبدهم المقدس لم تكن من غير معنى ، فقد كانت المعابد البابلية تعتمد الحيـة لحراسة بوابات المعابد والمقابر ، بالأضافة الى تكثيف للمعاني الرمزية في الديانة الأيزيدية والتي ترتبط بظواهر حياتية او كونية أو تتعلق بقدم المجتمعات التي تؤمن بمثل هذه الديانات ، أذ تشكل الحية السوداء في الديانــــــة الزرادشتية علامة للموت والحياة وورد ذكرها في كتابهم المقدس ( الأفستا ) ومن بعده الزند .
وقصة الخلود في الاساطير البابلية واضحة في سعي كلكامش للحصول على عشبة الخلود وبقاء الشباب والحياة بشكل دائم ، وبعد ان عثر كلكامش على عشبة الخلود في عمق البحر وتمكنه من استخراجها سرقتها الحية التي كانوا يعتبرونها خالدة لأعتقادهم أنها تتجدد وتغير حياتها بتغير جلدها كل عام ، كما ان الحية كم ورد في القصص هي من انقذت سفينة نوح من الغرق بأن ادخلت جسمها في الفتحة التي كادت ان تغرق السفينة بمن عليها وتنتهي الحياة البشرية كما تروي الاساطير القديمة ، وكان المصريين القدماء يضعون الافعى فوق تيجان رؤوس ملياكتهم وملوكهم من الفراعنة ، وكما لقصة عصا سيدنا موسى التي تحولت بقدرة الله الى افعى التهمت كل افاعي السحرة في ذلك العهد ، ولاشك أيضاً أن القصة التي تداولتها الكتب المقدسة والاديان من تمكن الحية اغواء آدم وحواء ليأكلا من الثمرة المحرمة وليخرجا بعدها من الجنة دليلا اخر على مكانة الحية المهمة في الوجود والخليقة ، ويبدو ان مجتمع الأيزيدية أكثر من نسج الأساطير عن الحية وعلاقتها بالموروث الأجتماعي والأساطير الشعبية التي يتداولها الأيزيدية ، ولايغب عن البال علاقة الحية بالرمز المقدس طاؤوس ملك أو بالاساطير الدينية التي تداولها رجال الدين الايزيدي حول قدسية الحية كقوة نازعة للخير في حين صورتها بعض الاقلام والعقول المريضة انها رمز للشر .
ولاشـك ان معبد ( ايزيدا )( ويعني البيت الرفيع – الكاتب ) في مدينة بورسيبا الواقع على نهر الفرات مقابل مدينة بابل حيث كان يعبد الاله مردوخ والذي قلل من شانه وجود هذا المعبد بالنظر لتعدد الالهة التي تختص كل واحدة منها بظاهرة كونية محددة ، وبالأضافة للتعدد فأن تنوع اعتقاد الناس بوجود قوى خفية وكامنة في ارواح الالهة جعل قضية تقديسهم ورفعتهم في البيت الرفيع معبد ايزيدا اكثر من تعظيمهم للاله البابلي مردوخ ، وفي نفس الوقت أنتشرت عبادة نابو في بلاد آشور التي تشمل منطقة الشيخان والزابين والجزيرة ، فأقيمت تماثيله في مزارات بنيت لهذا الغرض ، وفي نهاية القرن التاسـع قبل الميلاد بلغت هذه العبادة على ما يبدو اوجها ، فنجد أن لنابو هيكلا في كالح ( نمرود ) وهي لاتبعد عن لالش بأكثر من سبعين كيلو متر ( جورج حبيب – بقايا دين قديم ص 17 ) ، ويسترسل الباحث جورج حبيب ليذكر بان مذبحا مكرسا للاله نابو كان في ( قرية شدوة ) التي تحولت الى شنكار ( قضاء سنجار ) وان احد قادة ( تراجان المدعو شاور الثاني ) شاهد الطقوس التي يؤديها اهل المنطقة تكريما للاله نابو في بداية فصل الربيع ، ولن نستغرب ان عرفنا أن عبادة الشمس والظواهر الكونية كانت منتشرة في النمرود ، ومن الطبيعي ان تنتقل العقائد مع انتقال من يعتقد بها ، وفي انتقال الاقوام التي تعتقد بالديانات القديمة في منطقة شمال آسيا الى مناطق البابليين حيث كان هؤلاء القوم يعبدون ( اله السماء دياوس او تياوس ولاحظ أن الكلمة قريبة من لفظة تاووس أو طاؤوس ) ( TAOOS ) ، بينما كان اهتمام البابليين اضافــة للاله ( نابو ) فانهم يعبدون ( الاله شمش والاله سين والذين يعنيان الشمس والقمر ) ، ومن يدقق في أسوار المقابر البابلية يجد انها تحتوي على فتحات على شكل مثلث للسماح بدخول ضوء الشمس الى باحة المقبرة ، وهو نفس ما نجده اليوم في مقابر الأيزيدية القديمة وأضرحة الاولياء والرموز الدينية والتي بدأت تندثر ودون أن تلقي العناية والأهتمام من المؤسسات العلمية والعالمية التي أهتمت برمزيات وآثار أقل قيمة وأهمية منها .
وأذا تتبعنا سفر التكوين في سيرة النبي أبراهيم عليه السلام ، وأتفقنا على ولادته في أور الكلدانيين والتي لم يختلف عليها سوى القليل ، فأن أبراهيم واخوته ووالدهم تارح غادروا أرض الكلدانيين وأتجهوا الى أرض كنعان حيث مات والدهم فيها ، غير أن ابراهيم عاد ليغادر أرض كنعان لتتبارك به جميع أمم الأرض ، ومن النصوص التي حفظها العهـــد القديم ماورد في كتب ( المشنا القديمة ) ( وهي نصوص تحفظ عن طريق الذكر والأستظهار تخصص بها رجال الدين ) ، ولم يعتمد هذه الطريقة التي تحملها رجال الدين سوى الأيزيدية من الأديان ، وقد مارسها رجال الدين والفقهاء العبريين المنفيين في بابل ، ويبدو أن الأشتراك والتشابه في طريقة حفظ النصوص الدينية بين الديانتين يجعل من المتابع دفع أحتمال وجود الأيزيدية منذ العهد البابلي والعبري القديم حيث لايمكن ان تكون الطريقة التي تم اعتمادها اعتباطاً أو بالصدفة وخصوصاً أذا ما وجدنا عدم التزام جميع الديانات التي تتالت على المنطقة بهذه الطريقة .
ومن المفيد الأشارة الى أن الأيزيدية تعتبر أن أبراهيم الخليل هو من أسس ديانتهم ونشر مبادئها ومقدساتها اليهم ، وبالنظر لكون النبي أبراهيم أعتقد في باديء الأمر أن النجوم هي الرب ، فلما طلع القمر قال هذا هو الرب ، فلما أشرقت الشمس قال هذا هو الرب وليس تلك التي شاهدتها من قبل ، فلما أفلت قال أن من خلقها هو الرب ، وما النجوم والقمر والشمس الا مخلوقات مقدسة وأزلية للرب الأزل الذي يسيرها ويخفيها ، وهو ما تعتقده الأيزيدية اليوم من كون النجوم والقمر والشمس من الظواهر المقدسة التي اوجدها الله خالق كل الأشياء .
ولم يكن للنبي أبراهيم عليه السلام نصوصاً محفوظة ومنسوبة اليه ، ولهذا فأن ماتبنى أستمرارية العمل في القيام بالشعائر والمراسم والطقوس هم رجال الدين المتخصصين في هذا المجال ، ودون أن يجرأ احداً منهم بزعم أنه موكل من النبي أو من غيره ، وهم جميعاً من البشر المنتمين الى أحد الطبقات الدينية التي يختص بها الدين الأيزيدي ويتمسك بها تمسكاً صارماً ، فالتراتيبية الدينية من أسس المجتمع الايزيدي ، ولم يخرج من رجال الدين من لايحث على الأصلاح والأستقامة وعبادة الله وملائكته السبعة .
والأيزيدية من الديانات التي لم تعبد الأوثان أو الأصنام ولا اتخذتها علامات ورموز كغيرها من الديانات القديمة ، مع أن والد النبي أبراهيم كان صانعاً للأصنام ، وتذكر القصص أنه قال لأبيه أن النار أحق بأصنامك من عبادتها ، ولكنه لم يحسب النار ألهاً لأن الماء يطفئها ، ولم يحسب الماء ألهاً لأن الارض تبتلعها ، ولم يحسب الأرض آلهاً لأن الشمس تجففها وتنشر أشعتها فوقها ، ولم يحسب الشمس آلهاً لأن الظلام يحجبها ، ولم يحسب القمر والنجوم آلهة وأنما الاله القادر على كل شيء هو خالق الشمس والقمر والنهار والأرض وماعليها ، وكان اهل اليونان يعبدون من الكواكب المشتري ويطلقون عليه أسم ( جوبيتر ) بمعنى ابو الاله ، وكانت الديانة الزرادشتية قد جارت الأيزيدية في إتخاذها الهة أعوان كل من الاله ديو و اهورامزدا وهما يستمدان قوتهما وسرهما من الاله الكبير ، غير أن الأيزيدية أعتبرت الملائكة السبعة هم المكلفين بشؤون الدنيا بأمر الاله الكبير ، مع أن كلتا الديانتين تؤمنان بوجود الصراع الأزلي بين الخير والشر ، وأن الأنتصار في النهاية سيكون للخير .
وتشترك كلا الديانتين أيضاً في أختيار الضحية ( المقدسة ) ثوراً تحديداً وليس غيره من الحيوانات ، أذ لايشترط في الضحية أن يكون ثوراً في بقية الديانات ، بينما يشترط حتماً أن تكون التضحية عند الأيزيدية بالثور في كل عام ، والثور يدل على اعادة الحياة وقوة الخصوبة لدى البابليين .
غير أن مايلفت النظر أستمرار بناء القبور والأضرحة المقدسة على الشكل المخروطي بما يجعل الشمس تنزلق الى كافة جوانب القباب ، وبقي البناء المخروطي مستمراً حتى في زمن الخلافة الأسلامية حيث قبر السيدة زبيدة وبعض الأضرحة ، ثم التفت المسلمين الى شكل القباب والمآذن التي أتخذت شكلها الذي وصلنا ، وقضية الأقتباس والتقليد مسألة غاية في الأهمية وتدل على تحديد الفترات الزمنية ، ولو كانت الأيزيدية قد تشكلت بعد مجيء الشيخ عدي أو بعد مجيء الأسلام لما أستطاعت الشذوذ في شكل البناء المتميز واللافت للنظر وعلى الشكل المخروطي ، كما أن جميع الدراسات والأبحاث والتحريات الآثارية تشير الى أن المكان المقدس وجد وبوابته الرئيسية تواجه مشرق الشمس ، وقباب الأضرحة بهذا الشكل المخروطي المتميز لم تتغير مطلقاً ، وخصوصاً أذا عرفنا بالواقع الأجتماعي والديني والسياسي الذي كان يعيشه المجتمع الأيزيدي الذي يمنع تطوير العمارة والبناء والأهتمام بها بالشكل الذي وجدت به منذ ذلك الزمن السحيق .
أن الاشوريين والأكديين والبابليين والكلدانيين هم أفواج متلاحقة على فترات متباعدة تتراوح الفترة بينها بين 600 – 1000 سنة ، واقدمها ما أقام في الشمال ، لأن الأقاليم الشمالية في وادي النهرين كانت أخصب الأقاليم وأصلحها للزراعة والمرعى خلافاً لأقاليم الجنوب التي كانت مغمورة بماء البحر المالح وظلت كذلك زمناً طويلاً قبل أن ينحسر عنها الماء وتصلح فيها الأرض للسكن والزراعة ، ومن شمال العراق كانت قبائل المهاجرين الاوائل تنحدر الى بادية الشام أو الى شواطيء البحر الأبيض المتوسط ، ولم يظهر لنا مايدل على هجرة كبيرة من طريق الحجاز وشواطيء البحر الأحمر قبل الدعوة الأسلامية ( انظر عباس محمود العقاد – أبراهيم ابو الأنبياء / مطابع دار الهلال ص 120 ) .
فأذا كانت هذه الهجرة تأتي من الشمال !!! فأي دين كان يدين به المهاجرين الى تلك الأصقاع ؟ وأي تأثير ديني نقله المهاجرين معهم ؟ وأذا كان القوم يتحدثون بلغة تختلف عن لغة أهل الجنوب فكيف أنتقلت تلك اللغة وتعاليم الديانات القديمة خلال تلك الهجرات ؟
كما تعج منطقة بلاد مابين النهرين بالديانات التي أكدتها الأحافير والآثار والتي دلت على اضمحلال بعضها ونشوء بعض على أنقاض الأخرى ، بالأضافة الى انتهاء العديد من الديانات بأنتهاء السلطة التي كانت تدين بها ، ومامن عقيدة دينية تبرز الى الحيز المادي بين الناس مالم ترتكز على أسس ومساند ، كما أنها تخاطب النفوس بأسم الاله الكبير الذي يتوجب على الناس كافة الخضوع له والأنقياد الى تعاليمه وطاعته ، وهذا التخاطب مهمة من مهمات الأحبار ورجال الدين الذين يحفظون التعاليم والكلمات المقدسة الواردة في مصحف روز أو ضمن تعاليم كتاب الجلوة في صدورهم ووسط ضمائرهم وتلك مهمة عصية لم يزل يتناقلها رجال الدين حتى اليوم .
ومن خلال الأطلاع على ما أوردته أغلب الديانات حول قصة الخليقة وطريقة الخلق وقصة الطوفان وعبادة الشمس والكواكب وقضية التضحية والختان والمكان المقدس والحلول والتناسخ والتوحيد سلباً أم أيجاباً ، دليل عقلي على انفصال احدها عن الأخرى ، ويتضح أن التوافق والتطابق الحاصل بين الديانة الأيزيدية وبين الديانات القديمة انها من الديانات القديمة التي انتقلت بفعل عوامل عديدة بالرغم من تحديد الأنتماء اليها .
ولم يكن اختيار الطاؤوس رمــزا للجمال والخير ليتخذه الايزيدية تعبيرا رمزيا عن شكل الملاك ، وأنما تطابق اللفظ بين تموز وتاووس ، وشمش وشمس ، حتى نجد العديد من الاسماء التي لم تزل متجددة مع حياة الايزيدية لدى القدمـاء من النبطيين والبابليين والسومريين ، بالاضافة الى وجود بعض الطوائف والملل التي تعتبر ان الطاووس هو من اغوى آدم وحواء في الجنة ، وللتأكيد فأن المنزلة الرفيعة التي يضعها الايزيدية لطاؤوس ملك مهما علت قدسيتها والاعتزاز بها والتمسك والتضحية في سبيلها ، فانها لايمكن ان تلغي الاله الكبير وتوحيدهم للخالق واعتقادهم بقدرته الكلية ، وهو الذي سيقرر القيامة في يوم ما ليحاسب الكائناتالحية على اعمالها لياخذ كل كائن مايستحقه من الثواب او العقاب في الجنة او في النار .
Wer sind die Yeziden
Die Yeziden sind von der Volkszugeh
örigkeit Kurden. Sie sprechen die kurdische Sprache, und auch die Siedlungsgebiete der Yeziden sind die kurdischen Gebiete. Es gibt kein freies Kurdistan. Die Yeziden leben verteilt im Irak, in Syrien, Türkei und ein ganz kleiner Teil im Iran. Es gibt auch noch Yeziden in den ehemaligen Sowjetstaaten Armenien und Georgien und mittlerweile auch in Deutschland. Zwar gibt es keine offizielle Zählung der Yeziden, die Gesamtzahl wird jedoch auf 100.000 geschätzt. Damit ist das Yezidentum, das ehemals die Ursprungsreligion der Kurden war, eine religiöse Minderheit unter den mehrheitlich moslemischen Kurden. Etwa 550.000 leben im Nordirak als Hauptsiedlungsgebiet, wo sich auch das religiöse Zentrum der Yeziden - Lalish - befindet. Lalish liegt in der Nähe von Mossul. In der Nähe liegt auch der Sitz des weltlichen und geistigen Oberhauptes der Yeziden.


Die yezidische Religion ist eine monotheistische Religion, deren Wurzeln 2.000 Jahre vor Christus in die Zeit des Mithraismus zurückgehen. Gott ist allmächtig und erschuf die Welt. Die yezidische Vorstellung ist, daß neben Gott keine zweite Kraft existieren kann, die ohne seine Fürsprache, ohne sein Dazutun etwas Böses verrichten kann. Deshalb existiert auch nicht die Gestalt des Bösen. Damit einhergehend ist auch die Vorstellung, dass das Leben für einen Yeziden nicht mit dem Tod endet, sondern es wird nach einer Seelenwanderung ein neuer Zustand erreicht.

Der Mensch ist in erster Linie selbst verantwortlich für sein Wirken. Aus yezidischer Sicht hat Gott dem Menschen die Möglichkeit gegeben, zu sehen, zu hören und zu denken. Er hat ihm den Verstand gegeben und damit die Möglichkeit, für sich den richtigen Weg zu gehen.

Zentrale Bedeutung hat der Engel Tausi Melek, der durch einen Pfau symbolisiert wird. Nach der yezidischen Mythologie hat er in besonderer Weise die Allmächtigkeit Gottes gehuldigt und wurde von Gott zum Oberhaupt der sieben Engel erkoren. Er nimmt eine Art Stellvertreter-Funktion Gottes ein.

Man kann als Yezide nur geboren werden. Es besteht nicht die Möglichkeit, zum Yezidentum zu konvertieren. Die yezidische Gesellschaft hat das Verständnis, daß ein Yezide ein guter Mensch sein kann, aber um ein guter Mensch zu sein, muß man nicht Yezide sein. Das heißt, die Yeziden vertreten nicht die Auffassung, andere Menschen von der eigenen Religion überzeugen zu müssen. Sondern das Yezidentum ist von vornherein tolerant gegenüber anderen Religionen ausgerichtet. In einem Gebet der Yeziden wird gesagt: “Lieber Gott, schütze erst die 72 Völker und dann uns”. Die Yeziden haben keine Berührungsängste mit anderen Religionsgemeinschaften. So ist z.B. das Verhältnis zwischen Yeziden und Christen sehr gut. Dies hat etwas mit der gemeinsamen Leidensgeschichte der Yeziden und Christen in den kurdischen Gebieten zu tun. Die Yeziden haben z. B. während der Zeit der Armenienverfolgung (1914-1917) sehr viele Yeziden in ihren Häusern aufgenommen.

Seit dem 11. Jahrhundert gibt es innerhalb der Yeziden bestimmte Kasten, die der yezidische Reformator Sheikh Adi eingeführt hat. Die Gruppen sind unterteilt in Laien - die kurdische Bezeichnung lautet „Murid“ (das allgemeine Volk) - und die Kaste der Geistlichen, die sich dann noch in zwei weitere Kasten unterteilt - die Kaste der „Sheikh“ und die der „Pir“. Die Zuordnung der Kasten erfolgt nach dem Vererbungsprinzip. Die Geistlichen haben die Funktion, die Laien zu betreuen und in der religiösen Lehre zu unterweisen. Darüber hinaus übernehmen sie wichtige soziale Funktionen. Im Gegensatz zum Kastenwesen im Hinduismus haben die Kasten im Yezidentum nicht die Funktion, eine weltliche Hierarchie herzustellen, sondern sie legen hauptsächlich religiöse Funktionen fest. Der Kontakt zwischen den einzelnen Kasten ist nicht nur gewünscht, sondern die einzige Möglichkeit, die Religion zu bewahren. Durch ihre Einführung wurde eine komplexe Gesellschaft geschaffen, die aufgrund der gegenseitigen Abhängigkeit zu einem besseren Zusammenhalt unter den Yeziden geführt hat.

Was sind die „fünf Grundpflichten“ (Pênc ferzên heqîqetê)
Der yezidische Reformator Sheikh Adi hat durch die Einführung der Klassen innerhalb der Yeziden eine komplexe Gesellschaft geschaffen. Diese Komplexität tritt an die Stelle einer religiösen Organisation etwa im Sinne christlicher Religionen, sie erfordert einen intensiven Kontakt der Yeziden untereinander.
Unabhängig von der Zugehörigkeit zu einer Klasse ist jeder Yezide an fünf Grundsätze gebunden:
1. Anerkennung des „Meisters“ (hoste), gemeint ist Gott
2. Religiöse Betreuung durch einen Sheikh
3. Religiöse Betreuung durch einen Pir
4. Wahl eines Lehrers (Merebi).
5. Wahl eines Bruders bzw. einer Schwester für das Jenseits (Yar an Birayê Axretê)

Wie erfolgt bei den Yeziden die Beerdigung?
Es gelten detaillierte Regeln. Der Sarg muß so in die Erde eingelassen werden, dass das Gesicht des Toten in Richtung Sonnenaufgang zeigt. Die Waschung der Toten erfolgt nach einer bestimmten Zeremonie, wobei der Scheikh, der Pir und der Biraye Akhrete anwesend sein müssen. Der Sarg für Frauen wird etwas tiefer eingelassen als der für Männer. Zum Abschluß wird eine Grabplatte gelegt. Der Leichnam trägt weiße, besonders zugeschnittene Kleidung, und das Gesicht - Augen und Mund - werden mit Berat belegt. Berat ist die zumeist zu Kugeln geformte heilige Erde aus dem Religionszentrum Lalish. Der Mann erhält je einen Grabstein über dem Kopf und den Füßen, die Frau nur einen Kopf-Stein.
Der menschliche Körper ist etwas Gott gegebenes. Auch nach dem Tod bezeichnen die Yeziden den verstorbenen Leichnam als „Amanete Khode“, d.h. „Eigentum / Werk Gottes“. Folglich wird bei den Yeziden die Einäscherung nicht praktiziert.
Nachdem der Leichnam beerdigt wurde und die Trauergemeinde die Grabstelle verlässt, versucht der Verstorbene den Menschen zu folgen. Dabei stößt er mit seinem Kopf gegen eine Steinplatte / einen größeren Stein, die ihm ins Grab gelegt wurden und er erkennt erst zu diesem Zeitpunkt, dass er verstorben ist.
Welches sind die wichtigsten religiöse Feste der Yeziden?
1. Im Dezember feiern die Yeziden das “Îda Êzî”. Voran geht ein dreitägiges Fasten.
2. Im April feiern die Yeziden das religiöse Neujahrsfest “Carsema Sor
3. Im Oktober feiern die Yeziden das Fest zur Ehren Sheikh Adis (Cumaiya Sîxadî)


Welche Bedeutung hat das Ida-Ezi-Fest?
Das Ida-Ezi-Fest bildet den Höhepunkt der Feierlichkeiten nach den vorangegangenen Fastentagen. An dem ersten Dienstag im Dezember eines Jahres fasten die Yeziden drei Tage, d.h. bis zum Donnerstag einschließlich, wobei täglich nur vor Sonnenaufgang bis Sonnenuntergang gefastet wird (ca. 12 Stunden). Bei den Yeziden beginnt der erste eines Monats am 14. des christlichen Kalenders. Am 4. Tag, immer ein Freitag wird das Ida Ezi gefeiert. Die Bedeutung der Feier für die Yeziden ist der von Weihnachten bei den Christen gleichzusetzen. Der Ursprung der Feier ist sehr alt und findet sich im Mithraismus, in dem die Sonne verehrt wurde. Auch im Yezidentum nimmt die Sonne einen hohen Stellenwert an und wird als das sichtbare Symbol Gottes verstanden. Im Ur - Yezidentum wurde die Sonne gar als Gottheit angebetet. Nicht ohne Grund fällt daher der wichtigste Feiertag der Yeziden in die Sonnenwende (21.12. eines Jahres). Weil die Tage zu der Sonnenwende immer kürzer werden und damit die Sonne immer weniger zu sehen ist, fasten die Yeziden. Mit dem Feiertag wurde also ursprünglich das Ende der kurzen Tage gefeiert. Es ist das Fest zu Ehren Gottes.


Existiert bei den Yeziden die Gestalt des Bösen?
Im Yezidentum existiert nicht die Gestalt des Bösen. Die yezidische Vorstellung ist, dass Gott allmächtig ist und neben Gott auch keine zweite Kraft existieren kann, die ohne seine Fürsprache, ohne sein Dazutun etwas Böses verrichten kann. Die Yeziden sprechen auch nicht das Wort des Bösen aus, weil allein der Ausspruch dieses Wortes die Anzweiflung der Einzigartigkeit Gottes ist. Nach yezidischer Vorstellung wäre Gott schwach, wenn er noch eine zweite Kraft neben sich existieren lassen würde. Diese Vorstellung wäre mit der Allmacht Gottes nicht vereinbar.

Warum werden die Yeziden von fanatischen Moslems verfolgt?
1. Keine Buchreligion (nicht zutreffend)
2. Verstoß gegen das „Bilderverbot“: Verehrung Tawusi-Melek im Bilde (zutreffend, jedoch ist Tawusi-Melek nicht mit Gott gleichzusetzen)
3. Verantwortlich für die Ermordung von Ali (nicht zutreffend)
Fanatische Moslems vertreten die Auffassung, dass die Yeziden vom Rechten Weg abgekommen sind und bekehrt oder umgebracht werden müssen. Beides bringt Seelenheil.

Welche Bedeutung wird Tawusi Melek beigemessen?
Gott hat aus seinem Licht sieben Engel geschaffen. Einen von ihnen - den Tausi-Melek - hat er zum obersten Engel erkoren, weil er in besonderer Weise die Einzigartigkeit Gottes gehuldigt hat. Er wird im Yezidentum durch einen Pfau symbolisiert.
Aufgrund der Weigerung, Adam anzubeten, steht er für die Anerkennung der Allmacht Gottes. Er wurde von Gott zum obersten der sieben Engel erkoren und steht somit im Mittelpunkt des yezidischen Glaubens. So symbolisiert Tausi-Melek in der yezidischen Theologie nicht das Böse und ist auch kein in Ungnade gefallener Engel.
Nach der Schöpfungsgeschichte der Yeziden ist Tausi-Melek an der gesamten Schöpfung, an dem göttlichen Plan aktiv beteiligt. Folglich verkörpert Tausi-Melek nicht den Widerpart in einem dualen Weltbild, sondern ist der Beweis für die Einzigartigkeit Gottes

Wie sieht das Menschenbild bei den Yeziden aus?
Der Mensch ist in erster Linie selbst verantwortlich für sein Wirken. Aus yezidischer Sicht hat Gott dem Menschen die Möglichkeit gegeben, zu sehen, zu hören und zu denken. Er hat ihm den Verstand gegeben und damit die Möglichkeit, für sich den richtigen Weg zu gehen.

Haben die Yeziden ein heiliges Buch?
Es gibt im Yezidentum keine schriftliche Fixierung der religiösen Lehre, wie es vergleichbar die Bibel für die Christen ist. Die Vermittlung beruht vielmehr auf mündlicher Überlieferung. Es gibt jedoch zwei Bücher, das „Buch der Offenbarung“ - kurdisch „Kiteba Celwa“, und die Schwarze Schrift. Die kurdische Bezeichnung hierfür ist „Meshefa Resh“. Beide haben aber nie die Bedeutung gehabt, die Religion zu vermitteln. Sie sind “leider als Originale auch nicht mehr auffindbar. Es sind lediglich einige Abschriften vorhanden, wobei davon ausgegangen werden kann, dass diese nicht in allen Teilen authentisch sind.

Was hat es mit der Klassengesellschaft im Yezidentum auf sich?
Wichtig für das Verständnis der yezidischen Religion ist, dass es im Yezidentum eine Art Klassengesellschaft gibt. Man kann als Yezide nur geboren werden. Es besteht nicht die Möglichkeit, zum Yezidentum zu konvertieren. Und seit dem 11. Jahrhundert gibt es innerhalb der Yeziden bestimmte Abgrenzungen oder Klassen, die der yezidische Reformator Sheikh Adi eingeführt hat. Die Gruppen sind unterteilt in Laien - die kurdische Bezeichnung lautet „Murid“ (das allgemeine Volk) - und die Klasse der Geistlichen, die sich dann noch in zwei weitere Klassen unterteilt - die Klasse der „Sheikh“ und die der „Pir“. Die Zuordnung der Klassen erfolgt nach dem Vererbungsprinzip. Die Kinder von Murid-Eltern sind ebenfalls Murids, sowie die Kinder von Sheikh-Eltern Sheikhs und die Kinder von Pir-Eltern Pirs sind. Jeder Sheikh- und Pir-Familie sind von Geburt Murids zugeordnet.


Wie ist das Toleranzverständnis im Yezidentum zu anderen Religionsgemeinschaften?
Die yezidische Gesellschaft hat als Grundverständnis, dass ein Yezide ein guter Mensch sein kann, aber um ein guter Mensch zu sein, muss man nicht Yezide sein. Das heißt also: Die Yeziden vertreten nicht die Auffassung, dass sie andere Menschen von der eigenen Religion überzeugen müssen, also die anderen von ihrer Religion abbringen und missionieren müssen. Sondern das Yezidentum ist von vornherein tolerant gegenüber anderen Religionen. In einem Gebet der Yeziden heißt es: „Lieber Gott, schütze erst die 72 Völker und dann uns“.
Wie sieht Menschenrechtssituation der Yeziden in ihren Heimatgebieten
Die Yeziden werden in ihrer Heimat verfolgt. Einmal ethnisch, weil sie Kurden sind, aber dann noch viel gravierender, weil sie Yeziden sind. Weil sie einer Glaubensgemeinschaft angehören, die aus Sicht der fundamentalistischen Moslems kein Recht hat, überhaupt zu existieren. Das Christentum und das Judentum gehören zu den geduldeten Religionen. Aber das Yezidentum wird als eine Abspaltung des Islam, praktisch als eine Sekte verstanden, die von dem richtigen Weg abgekommen ist. Deren Anhänger sind zu bekehren oder umzubringen.
Die Yeziden haben auch keinen Schutz von den Regierungen und Staaten bekommen. Die Türkei z. B. hat die Yeziden nicht davor schützen können oder wollen, verfolgt zu werden. Deswegen sind besonders in den achtziger Jahren sehr viele Yeziden nach Deutschland geflüchtet. Hier wurden sie nach einem sehr langwierigen Asylverfahren, nachdem sehr viele Gutachten erstellt wurden, als asylberechtigt anerkannt.

ملامح التكوين الأولى للأديان

التفكر والتأمل وتقليب العقل في ما موجود من سماء وماء وأشجار ونجوم وشمس ، وما يحدث من نتاج الطبيعة من برق وصواعق ومطر وبراكين وزلازل ، وما عليها من رمال وحصى وجبال ، وموت وحياة ، ودهشة السكون وغيرها شغلت عقل الإنسان وأجبرته على التفكير مليا في أسباب تلك الظواهر ، وبقيت تلك الظواهر تشكل خوفا ورعبا في نفسه ، وصار يبحث عن مصدرها ومحركها ، فقد بقي الكون عصيا على العقل البشري بالرغم من كل المعرفة التي توصل اليها ، ومهد لها في التوصل الى حقائق منها ما هو ثابت ، ومنها ماهو احتمالي وتوقعي ، ومنها ما عجز عقله المحدود في تعيين حقيقته ، مع أن يجد لها تفسيرا حقيقيا في تلك الفترة ،غير أن أول الأشراقات في العقل البشري أن يعتقد بوجود القوة الخفية دون تفسير لمسببات الظواهر غير قدرتها ، ويبدو أن عجز الإنسان عن تفسير الظواهر يدفعه الى الأيمان بقوتها ، والأعتقاد بوجود تلك القوة الخفية في كل ظاهرة تتحكم في قوتها وفي حياته ، وهناك فرق كبير بين الأيمان بوجود الله الخالق الكبير وبين الأيمان بالدين كمنظومة مقدسة توجه الإنسان الى قيم وأعتقاد معين من خلال التعاليم والطقوس والنصوص ، ولهذا فقد بات الضعفاء دوما بحاجة الى الأيمان بينما فرض الأٌقوياء أنفسهم على اساس أنهم آلهة أو أرباب ، ورافق الإنسان تلك الأفتراضات بحكم تطوره العقلي في الزمان والمكان ، بينما لم تلجأ الحيوانات الى تلك الأفتراضات ولا للألتزام بها .

وفي بدايات الحياة البشرية ، بقي الإنسان أسير تلك الظواهر ، وعجز عقله المحدود في فك الغازها وتفسير أسبابها ، يغلف بالخوف والخشية أسئلته التي يكبتها داخل نفسه ، لكنه يعود يلح داخل عقله ، لعله يجد تفسيرا أو سببا لها ، فينشأ في عقله التبريرات والأعتقادات ضمن تلك العقلية المحدودة ، ويقتنع بها مرحليا ، غير أن الأسئلة الأكثر الحاحا ورسوخا في احاسيسه وكوامنه كانت تريد معرفة أسباب تلك القوى ، وكيف نشأت ولماذا صارت ؟ وهي اسئلة بحثية تدفعه للتفكر والتأمل .

وأستمر يبحث ضمن هذه المنظومة التي هو جزء منها ، غير أن بحثه المحدود كان يفتح له بصيصا من الضوء في حجم الكون ومتناسبا مع تعدد الأشياء ، وتدفعه فطرته في معرفة الأشياء ، وبالتالي وصوله الى عدد من النقاط التي تميزه عن بقية المخلوقات ، لتشكل له حافزا لتطوير البحث والتدقيق للوصول الى حقيقة الأشياء .

ولعله حين يرنو الى السماء يشاهد فضاءاها الرحب وسكونها الأرحب ، وحين يشاهد القمر والنجوم والشمس ، يدرك إن القوى الخارقة في السماء ، وان الفضاء هو المكان الذي تسكنه الالهة ، فصفة العلو لابد أن تكون للآلهة ، بالأضافة الى فلسفة الصعود ، فالروح تصعد الى الأعلى ، والملائكة يسكنون الأعالي ، وهي فلسفة تعتمد على خضوع الأدنى للأعلى .

لم يستطع الإنسان أن يفسر سر النهار والليل ولا أسرار الشر والخير ، ولم يجد تفسيرا لغروب الشمس وشروقها ثانية ، ولاعرف سر النجوم التي تضيء في الليل البهيم ، ولاعرف لماذا يموت الإنسان دون سبب والى أين يذهب ؟ ولماذا يجوع ويعطش ويتناسل ؟ وكيف عرف الممارسة الجنسية ؟ وكيف تعرف وأستدل على الكهوف والمغارات التي تحميه ؟ لكنه تأمل الأنهار وعرف من أين تخرج والى أين تنتهي ، وعرف مكامن الحيوانات وقوتها ، وعرف كيف يبحث في أعشاش الطيور ، وتذوق طعم الحنطة والثمار البرية ، وأكل لحم الحيوانات نيئة أو ميتة ، واستذوقها بعد شيها على النار التي صارت له منارا وضياءا ودفئا في البرد ، وعرف طعم الحلو والحامض والمر والمالح ، وبنى أغصان الأشجار مايقيه من تبدل الطقس ، ثم بنى من الطين بيوتا لها سقف يقيه البرد والحر والمطر ودخول الحيوانات ، وعرف الملابس والعورات ، ودجن الحيوانات والطيور ، وتعرف على خصالها وأصنافها ، وبقي يحاول تجسيد ملامح التكوين الاولي في شكل نصب أو حصى أو أشكال أو مكونات طبيعية تخيلها مسيطرة على حركة الحياة والكون ، و أعتقدها أنها تستطيع ما لايستطيع هو نفسه ، وتقدر على ما لايقدر ولهذا خضع لها بالعبادة الطقسية ، وركع لها وتذلل حيث منحها منزلة أعلى منه ، وبنى لها دورا للعبادة وتصورها بأشكال مختلفة وفق ما تخيلها عقله المحدود ، وبرز من بين المجموعات البشرية الكهنة والسحرة والعرافين الذين زعموا بوجود الروابط مع الالهة أو القدرة على الأتصال بالالهة ، أو امتلاكهم حصرا القدرات الخارقة في الشفاء أو في العمل ، تعلم الإنسان النفع والضرر ، وعرف الخير والشر ، ودافع عن ملكيته للأشياء وصار له نزوع فطري للجماعة والأمتلاك والتناسل .

أختار من تلك الحيوانات التي صادفها واعتقد أنها الالهة ، ثم صنفها وفق قوتها وعطائها وغضبها ووجودها ، وبات يضع معايير ومقاييس في التعامل مع تلك الحيوانات .

من يتابع نشوء ملامح التكوين الروحي والديني عند الإنسان ، يستطيع أن يستنتج ويشكل صورة أقرب للحقيقة في واقع حياة الناس ومقدرتهم على التفكير في تلك الظروف ضمن تلك الأزمنة السحيقة ، ومع بدايات الوجود كان التفكير ، ولعل الحيرة والتساؤل الذي يلف العقل البشري كان يدعو للتفكر وإيجاد الحلول التي تحكمها الظروف والبيئة والعقل والحاجة ، لتخرج باستنتاجات وتوقعات وثوابت وحقائق تكتشف لأول مرة ، إلا ان ملامح التكوين الروحي الأولي بدأت مع مسيرة الإنسان ومحاولته إخراج العقل عن حدود البيئة ، شعر الإنسان أن ثمة كائن أعلى مسيطر على مقدرات الحياة ، وشعر أيضا بقدرة هذا الكائن اللامتناهية وغير المحدودة ، مع الاختلاف الحاصل بين المجموعات البشرية في تصور من يدير شؤون الكون تبعا لظروف الزمان والمكان .

والعقل البشري يتطور تدريجيا من نقطة الصفر الذي ابتدأ بها وأستمر في التطور ولم يزل متطورا ، وبدايات الزراعة والعمل وصنع الأدوات جميعها تدخل ضمن مراحل التطور الإنساني ، ومحاولة تكييف العقل والإرادة للتطور يصاحبها تفكير عميق في أشياء ومكونات لايدركها العقل ولا يجد لها حلول فيضعها الى جانب الخوارق التي يعتقدها .

الرحلة الطويلة التي قطعها الإنسان في مسيرة الوعي والإدراك والتفكر لم تكن قصيرة ولا سهلة ، فقد بدت من خلال خطوات بطيئة في معرفة الحقيقة وأدراك معاني ما يحدث ، بل إن تلك الفترة تمخضت عن العديد من حالات الإدراك والوعي الى جانب الحيرة والغموض والتخلف في أيجاد أسباب وحقائق لم تزل غامضة حتى اليوم ، على أن ظاهرة الخوف كانت وما تزال القاعدة الراسخة التي يؤسس عليها الايمان الديني قاعدته منذ عبادة الظواهر الطبيعية ، ولذا لجأ الى أعتماد الغيبيات والافتراضات في تبريراته ، وهذا ما سنلمسه من خلال بدايات ملامح التكوين الروحي الأولي التي تخللتها إرهاصات وحالات تنم عن تطور وإبداع الفكر البشري في حيز التفكير بملامح البدايات الأولى .

تعتمد بعض الحركات الأصلاحية التي تنظم حياة الإنسان وعلاقته بالكون وبالخالق من خلال الغور في أعماق الذات الإنسانية بأعتبارها الأساس الذي تتشكل منه ، ودون تلك المجموعات البشرية لاقيمة للحركات والدعوات ، حيث تبقى مجرد تمنيات لم تجد لها فرصة التطبيق والالتزام ، كما أنها بالأساس جاءت من اجل تقويم الحياة الانسانية ونشر افكارها ومعتقدها بينهم من الحيز النظري الى حيز التطبيق العملي والأيمان الروحي ، ولاشك إن جميع تلك الدعوات والحركات والأديان تدعو للخير والمحبة والسلام ، غير أن منها ما يسعى الى تهذيب النفس وتقويم السلوك بشكل مؤثر في الحياة الانسانية ضمن مساحات جغرافية محددة ، ومنها ما يعالج أيضا العلاقات الإنسانية والروابط الأجتماعية ، وتنحسر قسم من هذه الحركات ضمن حيز محدود سواء بأرادتها ووفق عقيدتها أو لسبب آخر ، في حين ينتشر بعض كما تنتشر تموجات دائرة الماء على اثر ارتطام الحصى ، ودائرة التوسع ترتبط بظروف وأسباب تتعلق بالناس وبالعقيدة التي حلت بينهم ، بالأضافة الى ما توفر لها من ظروف موضوعية تساهم في انتشارها وتداولها .

أن ظهور العقائد بين البشر يتزامن مع الوجود البشري ، يتنوع حسب مدارك الناس وعقلياتهم في كل زمان ، وليس بالضرورة إن يكون ضمن تلك المجتمعات يبرز من بين مجاميعها الرسول أو النبي الذي يدعو الى عبادة الاله ، أو عبادة ظاهرة معينة من الظواهر الروحية منها أو الكونية ، فقد ظهر بعض الحكماء والمفكرين والمعلمين والفلاسفة والمرشدين والحكماء الذين صاروا قدوة ، ممن لم يدعوا النبوة ، ولكن انتشرت تعاليمهم بين البشر ضمن حقبة زمنية ، لتصبح بالتالي عقيدة تلتزم بها الملايين من الناس ، وتعتقد انها الطريق القويم الذي يهذب ارواحها ويضمن لها الخلاص ، مع إن وجود ظواهر حسية بين البشر تدعو للتأمل والتفكير مثل ظاهرة الحياة والموت والشمس والليل والنهار ، ولهذا فأن جميع الديانات البشرية لم تكن تخلو من معالجة تلك الظواهر وعبادتها والخضوع اليها أو اعتبارها جزء من منظومة المقدسات والأشكال الغرائبية التي تحير العقل .

وجاء في معجم ( لاروس ) للقرن العشرين : (( إن الغريزة الدينية مشتركة بين كل الأجناس البشرية حتى أشدها همجية وأقربها إلى الحياة الحيوانية . وإن الاهتمام بالمعنى الإلهي وبما فوق الطبيعة هو إحدى النزعات العالمية الخالدة للإنسانية )) .

كما يرى ماكس موللر وهو احد الباحثين في الاديان : (( أن الدين قوة من قوى النفس ، وخاصية من خصائصها ، وأن فكرة التعبد من الغرائز البشرية التي فُطر عليها الإنسان منذ نشأته الأولى )) .

تدخلت الأساطير والتراث في العديد من المفاهيم والرؤى ، مع جنوح كبير للتمسك بما يفرضه المجموع وما يصير سياقاً طبيعيا عرفا ينبغي التمسك به ، حيث يعد الخروج عليه مروقا وتعارضا مع المقدس في نظر القائمين على تلك العقائد .

وصير بعض من تفرغ لتكريس تلك الظواهر وتحويلها لممارسات طقسية في أماكن أضفي عليها مظاهر القداسة ، وعززها بتأثيرات روحيه ونفسية مؤثرة ، أدى بتلك العقائد الى سيل من الالتزامات والطقوس ، والتي حلت من بين أهمها النذور الى المعبود مهما كانت تسميته وأسمه ، بأن يلتزم الإنسان بأداء معين لقاء التزام مطلبي من المقدس ، ارتبط الأمر بالموروث والمخيلة الشعبية ، أدى ذلك الى الالتزام بتأدية النذور في الأماكن المخصصة للعبادة والأضرحة المقدسة ، والتي يستفاد منها بأي شكل من الأشكال ذلك النفر الذي يقوم على ترتيب تلك الطقوس وتنظيم تلك الأمكنة ، مع إضفاء نوع من القداسة والرهبة النفسية عليها في أشكال تتناسب مع المكان والزمان ، كالبخور والصمت ، والظلمة والشموع ، والرهبة والتراتيل ، والتعري أو نزع الأحذية ، أو أرتداء أقمشة بيضاء نظيفة ، والخوف من المجهول الذي يبرقع النفس ، بالأضافة الى مراسيم الموت والدفن التي يمارسها المجتمع بأشكالها المتعددة في كل فترة من فترات التاريخ القديم والحديث مع ما يصاحبها من أسرار تصاحب الولادة والموت .

أن جميع الاديان هي فعاليات بشرية ملموسة تستند على المقدس ، وتضع ملامح تصنف افكارها وعقيدتها في شكل العلاقة بين الانسان والرب ، وهي علاقة قائمة على الايمان الروحي غير المرئي ، الملموس في العقل ، وغالبا ما تكون الرؤية في القلب ، ولهذا فان الاعتقاد يقوم على المقدس الذي يوجه نحو الخير والسلام والمحبة وكل الممارسات الإنسانية الطيبة ، وينهى عن الشر ويرسم في سبيل نتيجة ذلك طريق العذاب الدنيوي والأخروي ، وكانت اشكال المقدس متعددة تبعا لتطور العقل البشري والتفكير في المقدس ، فتجسد المقدس في الحيوانات والاشكال المرعبة ، ثم تحول الى الظواهر الكونية الخارقة ، وانتقل الى البشر متجسدا في الملوك أو الكهنة ، ثم ظهر مع ظهور الانبياء والرسل ، ليستقر اخيرا وفق ملامح العقل البشري في العصور اللاحقة متوزعا بين اديان موجودة يدين بها الملايين أو الالاف أو حتى المئات وبين عدم الايمان باي ديانة أو عقيدة أصلا .

مرت البشرية بحقب زمنية تخللتها العديد من العقائد والدعوات الروحية أو الدينية ، نضجت بعضها الى درجة أنها تجاوزت زمنها ، وبقيت بعضها تدور في دائرة زمانها ومكانها ، وتدل الأحافير والاثار واللقط التي يتم العثور عليها على تلك الممارسات الطقسية والدينية ، كما تدل على مدى الالتزام الأنساني بها .

وتحت تأثير الزمن والنضوج الفكري للعقيدة تغيرت العديد منها بأتجاهات أخرى ، وتحولت الى عقائد متقاربة معها أو حتى مختلفة معها ، وتحللت العديد منها حيث انتهت ، في حين بقيت بعض منها متجذرة في عقل الإنسان ووعيه ، وتوسعت مساحة المؤمنين بها .

وبقيت الظواهر الطبيعية التي تقهر الإنسان هي الرموز الأقوى التي صيرها رجال الدين آلهة وأرباب ، وأخضاع تلك المجاميع البشرية لعبادتها والتخضع اليها ، وتقديم القرابين المختلفة لكسب رضائها وأتقاءا من غضبها ، وأستمرت تلك الظواهر لاتتغير في حين يرحل الإنسان الى المجهول مثلما يأتي من المجهول ، لايدرك أسرار حياته ومماته ، ولا أسرار تلك الظواهر الطبيعية ، وبقيت تلك الأشارات قائمة في وجدان الناس ونفوسها ، مع بقاء تلك الطبقة التي وظفت أو اعتقدت أنها تخدم الاله أو الأرباب التي تسيطر على الكون والخلق ، غير أنها قسمت تلك الظواهر والأرباب الى تخصصات ومهام ينفرد بها كل اله ، فللمطر اله وللرياح اله وللشمس اله وللنجوم اله وللحرب اله مثلما للحب اله أيضا .

صار الاله في ذهن الإنسان بالأضافة الى قوته وسيادته ، يتمتع بالخوارق والمعجزات والقدرات التي تفوق قدرة البشر ، وهو الأعلى والأسمى دائما ، ولهذا تجد أن الإنسان يطلب العون والمساعدة من الاله ، وكما يطلب الرحمة والغفران في قبول أفعاله وغفران خطاياه وأخطاءه ، وأعتقد الانسان لزوم أن يكون هناك وسيط يلمسه ويتمسح به ، ويراه في كل وقت يحتاجه ويخاطبه مباشرة ، تعويضا عن عدم قدرته في لمس الاله أو مشاهدته ، وحيث لايمكنه ذلك لجأ الى تلك الأشكال التي تستمد رمزيتها من الاله ، من القوة التي يتمتع بها ، ومن هنا جاءت فكرة التماثيل التي تجسد الالهة, وحين أستقر الإنسان كان لابد له أن تستقر تلك الرموز التي وضعها في عقله ، فصارت تلك الأنصاب والتماثيل في الأماكن التي استقر بها ، يقدسها ويتبارك بها ، ويبثها حزنه وضعفه ، ويشكرها لنجاحه في عمل ما ، وتطورت تلك المشاعر لتصبح طقوسا دينية تراتيبية يؤديها غيره بنفس الطريقة يقلد الآخر ، فتم تثبيت شكل الطقوس ومعانيها ، وبقيت تلك الرابطة الخفية بين النفس البشرية وبين الرمز الديني مستمرة ومتطورة وفق الزمان والمكان وتطور العقل البشري ..
ولم يكن دون سبب أن يتخذ الإنسان أشكالا رمزية تمثل وفق اعتقاده شكل الاله أو ما يتقرب اليه ، وصارت الأصنام والنصب والرموز الحجرية والطبيعية هي التي يعبدها البشر ، بأعتبارها آلهة ، ولكي يُقرّب الإنسان البدائي كل هؤلاء الآلهة إلى ذهنه ، تخيّل لهم أشكالا معينة ونحت أصناما تمثلهم على الأرض، وجاء وقت اعتقد فيه الإنسان أن لهذه الأصنام قوة ... إذا تقدم لها بقربان ، على أن تفعل الخير له وتُلحق الضرر بأعدائه. فإذا تنازع رجل مع جاره جاء إلى صنمه المحبوب وصلى له ليلحق الضرر بجاره، ولكن الجيران هم الآخرون كانت لهم أصنامهم. وبينما يدعو الرجل أصنامه لتضر أعداءه، راح يشعر بالقلق إزاء ما قد تفعله أصنام أعدائه له ولأهل بيته. واضطر الناس أن يفكروا في شئ يحميهم من أصنام أعدائهم، فوضعوا حول أعناقهم تماثيل صغيرة لأصنامهم لحماية أنفسهم من قوة الأرواح الشريرة التي تُحارب في صفوف الأعداء. وأصبحت هذه التماثيل الصغيرة هي التمائم أو الطواطم Totem وبدأ بعض الناس يعتقدون إن بعض هذه التمائم تستطيع إلقاء التعاويذ على الآخرين وتجعلهم يمارسون السحر. وراح هؤلاء البعض يؤمنون بأنهم بهذه التمائم ومناداة الأسماء الحقيقية لبعض الأرواح يستطيعون فتح أبواب المستقبل ورؤية ما يُخبئه لهم. ( 1 )

ولعل بقايا تلك الحروز والتمائم ما يشغل بعض الشعوب ، فتجد أن البعض يضعها حول عنقه أو يربطها على عضده ، أو يحملها معه في جيوبه .

وبقي الإنسان يجسد مفهوم العبد المنقاد الى مشيئة الاله ، متذللا على الدوام له ، مع شعور يسيطر عليه في حالات ضعفه أو قوته يدعوه للخضوع ، وكما بقي الإنسان محكوما بتلك الاساطير والطقوس التي لايمكن له التمرد عليها ، أذ اعتقد الإنسان بأن تلك الطقوس هي الخيوط التي تربطه بالأله ، كما ارتبطت عقيدة الخلود بالالهه عشتار .

واعتقد الإنسان من خلال رجال الدين بحتمية التقمص والحلول ، فلا فناء ولا نهاية للحياة ، بدليل أن العديد من البشر كان يأخذ معه عند الوفاة العدد المنزلية والحلى الذهبية ، وربما اخذ بعض زوجته أو أحبته معه الى تلك الدنيا التي يذهبان منها سوية الى حياة أخرى .

وأذ تختلف الديانات والعقائد في بعض التفاصيل الشكلية المهمة ، فأنها تلتقي في العديد من الجوانب الأخرى ، ونلفت النظر الى وجود عقائد لم تزل مؤمنة بتلك التفاصيل حتى اليوم .

ولم تكن تلك الديانات متشابهة ، ولاكانت تلك الطقوس متقاربة ، أذ ترتبط وفقا للميثيولوجيا ومفهوم الدين للآلهة والروح ، الا أن قضية الحلول كانت تمثل القاسم المشترك في العديد من تلك الديانات .

وبقيت البشرية فترة غير قصيرة تعتقد أن الجسد سيلتحم مرة أخرى بالروح ، ولذا كان دفن الأشياء مع الجثث ، وبقيت الناس فترة طويلة تعتقد بعودة الروح والجسد الى الحياة مرة أخرى .

كما انتشرت عقيدة أنفصال الروح عن الجسد ، بالنظر لتوقف الجسد عن الحركة ، الا إنه لم يتم تحديد مكان أستقرار الروح ، وكانت البشر تلمس بقاء تلك الأجساد الحية وهي تتخشب وتتفسخ ويتم دفنها بأسرع وقت ، غير أن اعتقادها ببقاء الروح هائمة أو متحيرة في فناء وجودها دون أي دليل أو تأكيد عملي .

وبالتالي فأن نشوء الأديان كان من خلال أستمرارية التفكير الأنساني في الخلق والنشوء وثبات الظواهر ، وبالتالي واجه العالم بعقله الذي لم يتوقف عند حدود التفكير ، متجاوزا الأسطورة والأحاسيس باحثا عن ترابط روحي خفي بين الإنسان والقدرة الغيبية الذي يعجز عن ادراك تفاصيلها وكامل حقيقتها ، حيث بقي الإنسان في حيرة لم يستطع إن يجد جوابا لما وراء الحياة ، وحين نشأت الأديان كانت ايضا تعطي تلك الأساطير والصور غير الملموسة التي يصورها الدين .

ولهذا تشكلت لتلك الديانات أساطير متلازمة لها وتساعدها وتمنحها تلك الهيبة الخفية التي ترسخ في العقل والوجدان الأنساني دون أن يلمسها واقعيا ، ومع كل تلك الهالة يرسم الإنسان صورا منها ما يكونها العقل البشري بمحدودية رؤيته للأشياء ، ومنها ما يكونه الخيال والنفس ببواطنها ، ولذلك حين كان الإنسان يعبد الصنم فأنه لم يفكر يوما ما عن تاريخ ولادة الاله أو مدى تأثيره أو أرتباطه ببقية الالهة ، وحتى علاقته بالظواهر الطبيعية ، لكنه كان حريصا على إداء الطقس للترضية وخلق ترابط بينه وبين الاله ، من اجل قبول الاله بطلباته وديمومة بقاءه خاضعا له ، وكذلك لبث الطمأنينة في روحه .

وليس بالضرورة أن يكون خضوع الإنسان الى القدرة الالهية في حالة الضعف أو العجز دائما ، فثمة حاجة ترتبط بروحه وعقله حتى وإن كان قويا ، مع أن الانسان هو الإنسان نفسه أن كان قويا أو ضعيفا ، لكنه يقع تحت تأثير مشاعر نفسية عميقة ، منها الخوف الذي يغمرها ، يقول الحكيم اليوناني ( لوكريتوس ) أن الخوف هو الاله الأول عند الأنسان .

يقول الباحث فراس السواح في كتابه مغامرة العقل الأولى : (( لا يوجد دين نشأ في فراغ ، فالدين لا ينشأ في فراغ ، الدين ينشأ في بيئة ثقافية معيَّنة ، ينشأ في وسط ثقافي معيَّن. مثال على ذلك ، إذا تأمَّلنا البوذية بكلِّ مفاهيمها ومصطلحاتها إلخ، نجد أنه لا يمكن للبوذية في القرن السادس قبل الميلاد أن تكون قد نشأت في أحد أقطار الشرق الأدنى القديم ؛ فالبيئة ليست بيئتها. أين نشأت البوذية؟ نشأت البوذية في الهند، على أرضية هندوسية. فكل المفاهيم الأساسية للبوذية، من تقمص الأرواح، من الدورة السببية الكبرى samsāra، الـنرفانا nirvāna، مفهوم كرْما karma، إلى ما هنالك – هذه المفاهيم كلُّها مفاهيم هندية. فكان من المستحيل على الديانة البوذية، بهذه المفاهيم، أن تكون قد نشأت في أوروبا أو في الشرق الأدنى القديم. والهندوسية تخضع للأمر ذاته، فالهندوسية التي نشأت عنها البوذية، لا يمكن لها أن تنشأ إلا على الأرضية السنسكريتية السابقة لها.
المسيحية نشأت على أرضية مكوَّنة من وثنية محلِّية، من فلسفة أفلاطونية حديثة، من أفكار وثنية يونانية، من غنوصية... إلخ ؛ هناك مصادر كثيرة للمسيحية. كذلك الإسلام، عندما ظهر، ظهر في بيئة ثقافية كانت تضج بالمعتقدات والأفكار؛ كان ظهور الإسلام في فترة من أخصب فترات الفكر الإنساني: كانت الحضارات تتمازج، تتلاقح، تتفاعل، وتتحاور. فلولا المسيحية واليهودية ووثنية الجزيرة العربية، مثلاً، وكذلك الزرادشتية والمانوية، لما ظهرت تعاليم الإسلام )) .


بقيت فترة طويلة تتحكم في عقل الإنسان تلك الظواهر الخارقة التي لم يستطع أن يجد لها تفسيرا ، وبقيت تسبب له الحيرة والدهشة والخشية حتى عدها من الالهة ، وعبدها وخضع لها ، ولذا كانت تلك الظواهر تتعدد مع اختلاف الأمكنة التي سكنتها المجموعات البشرية ، بالأضافة الى ما شكله له لغز الولادة والموت من رهبة وتأمل لم يستطع أن يتوقف عن التفكير بهما ، ونستطيع القول أن ملامح التكوين الأولى التي تشكلت كانت تتبلور وتظهر متفاوتة وفق التطور الأنساني ومدى التطور العقلي لتلك الجماعات ، ومدى تأثير الطبيعة والظواهر على حياة الناس ، ويعني هذا الأمر أن ليس اعتباطا أن يكون هناك من يسجد لصخرة في مكان ما ويسجد آخر للنجوم والقمر ، وفي منطقة اخرى هناك من يعبد البركان ويضحي للبحر ، حيث يشترك الجميع بالرغم من اختلاف الالهة والنظرة للتكوين الاولي في الاعتقاد بوجود القوة الخفية في تلك الالهة ، وتلعب الأساطير دورا مهما في رسم تلك الصور التي يتشبث بها الإنسان ويحاول أن يصدقها مع انه نفسه من اخترعها وشذبها وتناولها ، الا انه بشكل عام كانت النوازع الإنسانية تسعى لأستكشاف الغيب أو معرفة المجهول في دواخله ، وكان هذا السعي تدريجي لأيجاد روابط بين العقل والروح .

وكما عند كثير من الشعوب كذلك عند المصريين ، كانت الشمس هي الاله الأعلى ، وقد سجدوا لها .. وتعج الديانة المصرية بكثرة متعددة من الالهة .. وعبد المصريون القدامى شتى أنواع الحيوانات .

تعد النقوش والكتابات في طليعة المصادر التي تكوّن التاريخ ، وهي وثائق ذات شاًن لأنها السند الناطق الحي الوحيد الباقي من تلك الأيام ، والتي يمكن من خلالها تحليل الأحداث ورؤية الزمن وفق منظار المدونة المكتوبة على الحجر أو على جلود الحيوانات أو على البردي ، وهذه النقوش والكتابات تطرقت ضمن مساحتها الجغرافية الى ماكانت تعيشه تلك الأقوام سواء العربية منها أو غير العربية ، حيث حلت الحضارات القديمة بعض منها بشكل خاص في مناطق العرب ، غير أن من أهمها كانت في مناطق غير العرب ، وبعض منها مشترك ، بالأضافة الى أن تلك الكتابات كتبت بلغات مختلفة ، بعض منها ما عثر عليه في مناطق العرب وبعض آخر تم العثور عليه في المناطق غير العربية ، كما أن بعض الديانات ما ظهر في المناطق العربية وانتشر منها الى باقي المناطق ، مع ظهور ديانات مجاورة للمناطق العربية ، وبعض منها ما تحدد في المناطق غير العربية كبعض النصوص الآشورية أو البابلية، ونصوص وكتابات تم العثور عليها في مناطق بعيدة عن الجزيرة العربية حيث كانت تتمتع بأجوائها الدينيـــــة الخاصة البعيدة عن أجواء الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية ، ويدخل ضمنها تلك التي وجدت في مصر أو في بعض جزر اليونان أو في الحبشة، وهي من كتابات المعينين والسبئيين، ومنها ما عثر عليه في مواضع أخرى من جزيرة العرب، مثل أعالي الحجاز وبلاد الشام ومكة والمدينة ومواضع أخرى، كل ما عثر أو سيعثر عليه من نصوص في جزيرة العرب ، مع أن وجود الإنسان القديم لم يكن في الجزيرة كما تشير الأحافير والموجودات والدلائل الآثارية ، فقد بقيت تلك الأقوام لم تنتعش بها ثقافات المجتمع مثلما انتعشت في الجزيرة العربية ، بحكم العوامل الأقتصادية والدينية .

أن اللقى الاثارية المعثور عليها في وادي الرافدين تظهر بوضوح أن مخازن الحبوب كانت مقدسة ، لأن الخبز مقدس وأستحق التقديس والسجود ، ولذا كانت الطقوس تؤدى حول تلك المخازن ، وكان بجوار كل معبد حضيرة للحيوانات وقطعة أرض للرعي ، أما اقدم الالهة فهو اله السماء وإله الريح واله المحيط .

وعبد الهندوس اشجار معينة ، كما عدو الانهار مقدسة وأدوا طقس الأغتسال فيها منذ الاف السنين .

ويقول الكاتب جواد علي في كتابه المفصل في تأريخ العرب قبل الأسلام – الجزء الأول /ص 37 : (( والتوراة مجموعة أسفار، كتبها جماعه من الأنبياء في أوقات مختلفة، كتبوا أكثرها في فلسطين. وأما ما تبقى منها، مثل حزقيال والمزامير ، فقد كتب في وادي الفرات أيام السبي ، وأقدم أسفار التوراة هو سفر "عاموس " "Amos"، ويظن أنه كتب حوالي سنة 750 ق. م.

وأما آخر ما كتب منها، فهو سفر " دانيال" "Danial" والإصحاحان الرابع والخامس من سفر " المزامير". وقد كتب هذه في القرن الثاني قبل المسيح.

فما ذكر في التوراة عن العرب يرجع تاريخه إذن إلى ما بين سنة 750 والقرن الثاني قبل المسيح.

وقد وردت في التلمود " Talmud" إشارات إلى العرب كذلك. وهناك نوعان من التلمود الفلسطيني أو التلمود الأورشليمي "Yeruschalmi" كما يسميه العبرانيون اختصاراً، والتلمود البابلي نسبة إلى "بابل" بالعراق، ويعرف عندهم بأسم "بابلي" انتصاراً.

أما التلمود الفلسطيني، فقد وضع، كما يفهم من اسمه في فلسطين. وقد تعاونت على تحبير. المدارس اليهودية "Academies" في الكنائس " الكنيس". وقد كانت هذه مراكز الحركة العلمية عند اليهود في فلسطين، وأعظمها هو مركز "طبرية" "Tiberies" وفي هذا المحل وضع الحبر "رابي بوحان" "Rabbi Jochanan" التلمود الأورشليمي في أقدم صورة من صوره في أواخر القرن الثالث الميلادي وتلاه بعد ذلك الأحبار الذين جاؤوا بعد " يوحنان"،وهم الذين رضعوا شروحا وتفاسير عدة تكون منها هذا التلمود الذي اتخذ هيأته النهائية في القرن الرابع الميلادي.

وأما التلمود البابلي، فقد بدأ بكتابته -على ما يظهر- الحبر " آشي" "Rabbi Ashi" المتوفي عام 435 م، وأكمله الأحبار من بعده، واشتغلوا به حتى اكتسب صيغته النهائية في أوائل القرن السادس للميلاد. ولكل تلمود من التلمودين طابع خاص به، هو طابع البلد الذي وضع فيه، ولذلك يغلب على التلمود الفلسطيني طابع التمسك بالرواية والحديث. وأما التلمود البابلي، فيظهر عليه الطابع العراقي الحر وفيه عمق في التفكير، وتوسع في الأحكام والمحاكمات، وغنى في المادة. وهذه الصفات غير موجودة في التلمود الفلسطيني.

وبهذا يكمل التلمود أحكام التوراة، وتفيدنا إشاراته من هذه الناحية في تدوين تاريخ العرب. أما الفترة بين الزمن الذي انتهي فيه من كتابة التوراة والزمن الذي بدأ فيه بكتابة التلمود، فيمكن أن يستعان في تدوين تاريخها بعض الاستعانة بالأخبار التي ذكرها بعض الكتاب، ومنهم المؤرخ اليهودي " يوسف فلافيوس" " جوسفوس فلافيوس" "Josephus Flavius"، الذي عاش بين سنة 37 و 100 للمسيح تقريبا. وله كتاب باللغة اليونانية في تاريخ عاديات اليهود "Joudaike Archaioligia" تنتهي حوادثه بسنة 66 للميلاد، وكتاب أخر في تاريخ حروب اليهود "Peri tou Joudiaou Poemou" من استيلاء " انطيوخس افيفانوس" "Antiochus Epiphanos" على القدس سنة 170 قبل الميلاد إلى الاستيلاء طيها مرة ثانية في عهد "طيطس" "Titus" سنة 70 بعد الميلاد، وكان شاهد عيان لهذه الحادثة. وقد نال تقدير "فسبازيان" "Vespasian" و " طيطس" وأنعم عليه بالتمتع بحقوق المواطن الروماني.

وفي كتبه معلومات ثمينة عن العرب ، وأخبار مفصلة عن العرب الأنباط ، لا نجدها في كتاب غيره من الكتب القديمة . وكان الأنباط في أيامه يقطنون في منطقة واسعة تمتد من نهر الفرات، فتتاخم بلاد الشام، ثم تنزل حتى تتصل بالبحر الأحمر. وقد عاصرهم هذا المؤرخ، غير أنه لم يهتم بهم إلا من ناحية علاقة الأنباط العبرانيين، ولم تكن بلاد العرب عنده إلا مملكة الأنباط.

هذا وان للشروح والتفاسير المدونة على التوراة والتلمود قديما وحديثا، وكذلك للمصطلحات العبرانية القديمة على اختلاف أصنافها أهمية كبيرة في تفهم تاريخ الجاهلية، وفي شرح المصطلحات الغامضة التي ترد في النصوص العربية التي تعود إلى ما قبل الإسلام، لأنها نفسها و بتسمياتها ترد عند العبرانيين في المعاني التي وضعها الجاهليون لها . ))

وعليه فأن وجود الإنسان في مناطق كوردستان في الأدوار السحيقة من التاريخ ، دليل على التواجد البشري وتكون المجتمعات البشرية البدائية في تلك المناطق ، ومن ثم اتجهت الموجات البشرية الى وسط وجنوب العراق ، بأتجاه أريدو وأوروك ولارسا وكيش وكوثي وبابل وأشنونه وتل خفاجة ونيبور ، لتنتقل وفقا لظروف معيشتها ومتطلباتها ، فتشكل مجتمعاتها حيث حكمت تلك المجموعات البشرية مناطق في وسط وجنوب العراق .

يقول عالم الاثار طه باقر في كتابه مقدمة في تأريخ الحضارات القديمة ص 178- 182 : (( أن العراق لم يكن مسكونا قبل الالف الخامس أو أواخر الالف السادس قبل الميلاد ، حيث لم يعثر في وسطه وجنوبه على أي آثر للبشر قبل ذلك ، بينما عثر علماء الاثار في كردستان على آثار لأنسان العصر الحجري القديم قبل نحو مائة الف سنة ، وهو صخرة ( بردة بنكا ) القريبة من مدينة جمجمال ، حيث صنع الإنسان القديم من هذه الصخرة أدواته الحجرية التي عثرت عليها مديرية الآثار العامة في العراق سنة 1949 ، وعثر عالم الآثار الأمريكي سوليكي أثناء تنقيباته في كهف شانيدر على آثار وهياكل عظمية لأنسان نياندرتال تعود الى ما قبل ( 60000 ) ستين الف سنة ، ووجدت الباحثة ( كـــارود ) في كهف هزارمرد على آثار تعود الى (50000 ) خمسين الف سنة . ))

أعتقد الإنسان أن الانهار الموجودة هي التي تنبع من الجنة ، وان تلك الجنة موجودة على الأرض غير انه لم يستطع الوصول اليها ، ولاتمكن من تحديد مكانها وموقعها ، والجنة موضع لانواع المواهب والنعم الالهية المعنوية والمادية يتم تصويرها على اساس أنها ما اعده الله للمؤمنين وبها مالم يخطر في بال الإنسان ، ومكانها في السماوات العليا ، مع أن هناك من يتصور أنها قائمة على الارض ، وبقيت تلك المجموعات البشرية تعتقد إن الظواهر الطبيعية هي التي تتحكم بالحياة والموت ، لذا كانت تلك المجموعات البشرية في هذا التاريخ السحيق ، تمارس ديانتها وطقوسها وأعتقادها الروحي من خلال تأثير الطبيعة ومظاهر الكون ، ونظمت تراتيبية متدرجة لتلك القوى الخفية ، انتقل الاعتقاد مع انتقال تلك الموجات مجسدا شخصية الالهه وسطوة الظواهر المرئية والمحسوسة والخارقة ، كما برز دور رجل الدين كمنظم لتلك الطقوس وغالبا ما أبدى استعداده ليكون وسيطا بين الإنسان وتلك القوى .

وباتت الوساطة الدينية تمارس من خلال كهنة المعابد والمتفرغين لممارسة الطقوس ، كما صارت لهم سلطة في التحكم بمصير الناس ، مثلما صار لهم رأي في السلطة وتنصيب الملوك والحكام ، حيث تم تطوير تلك العلاقة لصالح طبقة رجال الدين الذين ارتقوا الى مستوى المقدس في الذهنية الجمعية ، وباتوا يشكلون طرفا قويا ليس في العلاقات الدينية ، وانما حتى في الحياة العامة .

وباتت تلك الرؤى ديانات أولية تجسد ملامح التكوين الأولي للديانات قبل أن تحل عليها الديانات والدعوات الأصلاحية التي انتشرت ضمن جماعات بشرية محددة ، بقيت بعض منها متحددة ضمن أطارها الأجتماعي والسكاني والجغرافي ، بينما أستطاعت بعض منها الأنتشار بشكل واسع أو محدد ، مع اعتبار أن بعض الديانات غنوصية لاتقبل الأنتماء اليها من خارج من وجد مؤمنا بها ، بينما سلك بعض من تلك الديانات عملية قبول الأنتماء والأيمان بها ، والعمل على أقناع الاخرين لأنضمامهم تحت لوائها .


الإنسان مارس الأثر في الطبيعة من خلال إرادته وعمل يده، فاعتقد أن وراء كل مظهر من مظاهر الكون وحركة من حركات الطبيعة روحاً إلهية فاعلة، ونظمها في مراتبية تتدرج من الأدنى نحو الأعلى، حيث ركز فعل الخلق والتكوين، وهو الفعل الذي يجل عن الأفهام، في شخصية الإله الأعلى ومن خلال صياغته لقصص عن هذه الآلهة وعلائقها المتشابكة ، وما ينجم عنها من ظواهر مرئية أو محسوسة ، تتخللها المعجزات والخوارق التي لايدركها العقل البشري ، وما يعتقده العقل البشري تجاه صورة الاله الأعلى وقدراته اللامحدودة ، كان الإنسان يصوغ منهجاً أسطورياً في فهم العالم واستيعابه، وفهم دوره في هذا العالم ومآله.
وهكذا فقد لعبت الأسطورة في الماضي الدور الذي يلعبه العلم والفلسفة في العصر الحاضر، وكلاهما تنشأن عن النوازع والتوجهات ذاتها. وإن توقنا إلى التعلم وفق المناهج العلمية الحديثة يجسد البديل الذي ينشأ عن الموقف القديم الذي كان يدفع أسلافنا لتلاوة الأساطير والاستماع إليها، فالأسطورة والحالة هذه هي قصة رمزية يلعب الآلهة الأدوار الرئيسية فيها، ويكون البشر هم الذين صاغوها ووضعوها وتداولوها ، وهي واسعة لايتسع لها الأدراك البشري وليس لها حدود ، وتتميز موضوعاتها بالجدية والشمولية: وذلك مثل التكوين والأصول، والموت والعالم الآخر، ومعنى الحياة وسر الوجود. وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام الديني للجماعة، وتعمل على توضيح معتقداته، وتدخل في صلب طقوسه. ومن هنا تأتي قدسيتها وسلطتها العظيمة على عقول الناس. وغالبا ما تصاغ في قالب شعري يساعد على ترتيلها في المناسبات الطقسية، وتداولها شفاهة، ويزودها بسلطان على العواطف والقلوب. تتخذ أساطير الخلق والتكوين مكان المركز والبؤرة في أي منظومة ميثولوجية. فهي التي تتحدث عن أصل الكون وكيف ظهر العالم إلى الوجود، وعن أصل الآلهة وأنسابها ومراتبها وعلائقها مع بعضها بعضاً. وهذا ما سوف نلتفت إليه فيما يلي، متخذين من ميثولوجيا التكوين الرافدينية نموذجاً.

في الأساطير السومرية، وهي أول الأساطير المدونة في تاريخ الحضارة الإنسانية، تبدأ عملية خلق وتكوين العالم انطلاقاً من مادة بدائية أزلية هي المياه الأولى ، التي دعاها السومريون )) نمّو(( . ففي أعماق هذه المياه تشكلت بذرة الكون الأولى على هيئة جبل قبته هي السماء، وقاعدته هي الأرض، وكانا ملتصقين. بعد ذلك أخذ الهواء بالتشكل في داخل هذه الكتلة اليابسة، الأمر الذي أحدث فجوة في داخلها. وكلما أخذ الهواء بالتزايد والتمدد كلما توسعت هذه الفجوة ، إلى أن باعدت بين الأرض المنبسطة وقبة السماء التي تغطيها من كل جهاتها. ثم أن هذا العنصر الغازي الذي يملأ المسافة بين الأرض والسماء أنتج القمر والشمس وبقية الأجرام المضيئة. وكان من نتيجة فصل السماء عن الأرض إتاحة الشروط المناسبة لظهور الحياة الطبيعية والكائنات الحية. ولكن العقل الأسطوري لم يكن يعالج الأمور بهذه الطريقة العلمية التي بسطناها، بل بلغته الخاصة التي تُحول الظواهر الكونية والطبيعانية إلى شخصيات إلهية.
ففي البدء، على ما نفهم من شذرات نصوص سومرية لم تصلنا كاملة، كانت ( الإلهة نمو ) ، المياه الأولى. ثم ان هذه الإلهة البدائية أنجبت ولداً وبنتاً، الأول هو(( آن )) إله السماء المذكر، والثانية هي (( كي )) إلهة الأرض المؤنثة. وكان الاثنان ملتصقين ببعضهما بعضاً في كتلة تهيم في الأعماق المائية. ثم أن آن تزوج كي وأنجبا بكرهما إله الهواء إنليل الذي باعد بينهما فرفع السماء نحو الأعلى وبسط الأرض تحتها. بعد ذلك أنجب إنليل إله القمر (( نانا )) ، وإله القمر أنجب إله الشمس (( أوتو. ((
وبعد ذلك انطلقت عملية التكوين التدريجي، عن طريق زواج الآلهة وتناسلهـا. بعد أن أخذ الكون شكله وانتظمت دورة النهار والليل وحركة الفصول؛ وبعد أن أخرجت الأرض زرعها وشجرها وتفجرت ينابيعها؛ وبعد أن ظهرت الحيوانات بأنواعها، صار المسرح مهيئا لظهور الإنسان، الذي ترى الأسطورة السومرية أنه خلق لكي يحمل عبء العمل ويرفعه عن كاهل الآلهة. فقبل ظهور الإنسان على الأرض كان الآلهة يقومون بكل الأعمال التي تحفظ حياتهم وتُيسر معاشهم، من فلاحة وزراعة وحصاد وما إليها، ولكنهم تعبوا من ذلك ورفعوا عقيرتهم بالشكوى إلى إله الماء والحكمة «إنكي»، عله يجد لهم مخرجاً، ولكنه وهو المضطجع في الأعماق المائية، لم تصله شكواهم، فمضوا إلى أمه الإلهة نمو، المياه البدائية التي أنجبت الجيل الأول من الآلهة ، لتكون واسطتهم إليه .
فمضت إليه قائلة: أي بني، انهض من مضجعك، واصنع أمراً حكيماً. اجعل للآلهة عبيداً يخدمونهم ويقومون بأوَدهم. فتأمل إنكي مليا في الأمر، ثم دعا الحرفيين الإلهيين المهرة ليقوموا بتشكيل البشر انطلاقا من عجينة من طين، وقال لأمه نمو: إن الكائنـات التـي ارتأيتِ خلقها ستوجد، وسوف نصنعهـا على شبه الآلهة. اغرفـي حفنة من طين من فوق ميـاه الأعماق، وأعطها للحرفيين الإلهيين ليعجنوا الطين ويكثفوه.
وبعد ذلك قومي أنت بتشكيل الأعضاء، بمعونة ننماخ، الأم - الأرض. عندها ستقف إلى جانبك ربات الولادة ، وتُقَدِّرين للمولود الجديد يا أماه مصيره ، وتعلق ننماخ عليه صورة الآلهة إنه الإنسان. هذا وتتكرر قصة خلق الإنسان في نص سومري لقد تحدثت الأساطير السومرية عن خلق البشر الأوائل دفعة واحدة، ولكن الأساطير البابلية اللاحقة تحدثت عن خلق زوجين أوليين تناسل منهما بقية الجنس البشري. وقد جرى خلق هذين الزوجين من عجينة طينية ممزوجة بدم إله (أو أكثر) تم تقديمه قرباناً لعملية الخلق. وكما هو الحال في الميثولوجيا السومرية، فإن الإله إنكي (أو إيا، كما يدعوه البابليون ).

نقرأ في نص لم يصلنا كاملاً ما يلي: عندما خَلق الآلهة في مجمعهم كل الأشياء، بعد أن شكلوا الأرض وكوّنوا السماء؛ بعد أن أخرجوا للوجود الكائنات الحية؛ قام إيا بخلق زوجين شابين، وأعلى من شأنهما فوق جميع المخلوقات. على أن أجمل النصوص البابلية الأسطورية قد وصلنا منقوشاً على سبعة ألواح فخارية، وهو يحمل عنوان )) إينوما إليش(( أي )) عندما في الأعالي(( ، وهي الجملة الاستهلالية التي ابتدأ بها. فعندما في الأعالي، لم يكن هنالك سماء، وفي الأسفل لم يكن هنالك أرض ، لم يكن في الوجـــود سوى الميــاه الأولى ممثلة في ثلاثة آلهة مائية هم)) تيامة ((، ماء المحيط البدئي المالح، التي أنجبت الماء العذب (( أبسو)) وتزوجته، وابنهما (( ممو)) الضباب المنتشر فوقهما. وكان هؤلاء الثلاثة يعيشون في تمازج وتناغم، وصمت وسكون مطلق. انطلاقا من هذه المادة المائية الهيولية ابتدأ الخلق والتكوين، عندما أنجب الآلهة الثلاثة الجيل الثاني من الآلهة.

وتعتقد الأيزيدية بأن الله سبحانه وتعالى كان يجلس بعرشه على الماء قبل أن تكون الأرض ، فوق درة بيضاء ، ثم فجر منها الأنهار والبحار .

وورد في الكتاب الأول من الكنزا ربا الكتاب المقدس للصابئة المندائيين : (( بأسم الحي العظيم * هو الله .. ملك أكوان النور * العزيز الغني الغفور * المياه التي تسيل * والجبال التي لاتميل . ))

جاء في الإصحاح الأول من سفرالتكوين في التوراة ما نصه: "فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ .

كما جاء ايضا : «لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ الْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلاً بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ». فَعَمِلَ اللهُ الْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الَّتِي تَحْتَ الْجَلَدِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي فَوْقَ الْجَلَدِ. وَكَانَ كَذلِكَ. وَدَعَا اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَانِيًا.

وَقَالَ اللهُ: «لِتَجْتَمِعِ الْمِيَاهُ تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ». وَكَانَ كَذلِكَ. وَدَعَا اللهُ الْيَابِسَةَ أَرْضًا، وَمُجْتَمَعَ الْمِيَاهِ دَعَاهُ بِحَارًا.

وورد في الأنجيل / سفر التكوين: «في البدء خلق الله السموات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة. وروح الله يرف على وجه المياه». هذا هو السر الذي به أوجد الله هذا العالم من اللاشيء، وأظهر نفسه أنه صانع وخالق كل الأشياء، الذي يستحق حمدنا وسجودنا.

وجاء في الفنديداد اهم الكتب التي تتالف بها الابستاه كتاب الزرادشتية المقدس في الفصل الاول : ( اول الامكنة والبلاد التي خلقتها انا هرمزد كان ( آران ) الذي يسقيه نهر ( آراس ) .)

وفي الأساطير البابلية مايفيد بانه في البدء قبل أن تعرف السماء ويعرف للأرض أسم كان المحيط وكان البحر ومنه حصلت الكائنات .

وفي أسطورة فرعونية تقول : كان الماء الأول أ والمحيط المظلم وكان الاله ( آمون ) وحده وهو خالق الالهة والبشر والأشياء .

وفي أسطورة أخرى أيضا تقول أن الأرواح كانت ترف فوق البحار وفي الفضاء . وهكذا يكون الماء هو القاسم المشترك في مسألة الخليقة التي تشترك بها كل تلك الديانات ، مما يؤكد القول بأن بداية عملية خلق وتكوين العالم انطلاقاً من مادة بدائية أزلية هي المياه الأولى .

وإذا كان تأكيد الإنسان في بدايات التكوين الأولى أن يشير الى وجود القوة الخارقة التي يخضع لها متمثلة بأشكال تتناسب مع أعتقاده وسعة تفكيره وظروف حياته ، مقترنا بالظواهر الخارقة والوقائع والقرائن التي ينقلها له بعض أو يلمسها شخصيا .

وإذا أسلمنا بأن عنصر الكون هو الانسان ، فأن هذا الكائن الحي متحرك ويفكر وفق ظروف الزمان والمكان ، ويتحرك ايضا عنده العقل الباطن والمحسوسات التي تدفعه للتفكير مليا ، ومن خلال هذا نجد إن ملامح الديانات الأولى تيارات انسانية تمثل اتجاهات فكرية وتعاليم بأتجاه توجيه ارادة الانسان نحو الخير ، وخلق الصور التي تعاقبه وتعذبه عند ارتكاب الشر ، غير أنها لم تجد أسبابا مقنعة لنهاية الانسان ، فأعتقدوا ببقاءه أو عودته في صورة أخرى ، ولذا فأن العديد من الديانات القديمة ، من كان يؤمن اتباعها بأن الإنسان لايموت وأنما يبقى حيا يحل في جسد مخلوق آخر تبعا لأفعاله في الدنيا ، كما جسدوا بأن افعال الخير من الأفعال التي يريدها ويأمر بها الاله ، وافعال الشر من الأفعال التي يرفضها الاله ويطلب منهم إن يتجنبوها .

وتصوير العقاب ماديا هو تصوير بشري لأنه يلمس العذاب والقسوة والألم من خلال الحياة ، لذا تشكل الخوف من هذا العذاب المجهول وخضع الانسان في العديد من مواقفه وتصرفاته لهذا الأحساس البشري .

ووفق معالجات تتزامن وتنسجم مع الظرف الزماني والمكاني كانت المعالجات الدينية لهذه الأديان ، فما جاء به الأيزيدية لايتفق بالضرورة مع الزرادشتية ، ولاينسجمان مع اليهودية ، ولامع المسيحية ، وكذلك الأسلام لايتفق معهم ، وأن اتفق في المعالم العامة أو الخطوط الأساسية في الأشارة الى وجود الخالق الاله الكبير والخضوع له ، والالتزام بممارسات عمليه والتزامات مادية وروحية ، وقبل الأسلام والمسيحية واليهودية كانت الزرادشتية و المندائية والأيزيدية ، وهكذا تشكلت تلك البدايات التي يمكن أن نستدل منها على وجود تلك الديانات ، وعما اذا كانت قديمة غارقة في القدم ام أنها حديثة ؟

وجميع الأديان تؤكد أن الاله واحد لايشترك معه احد ، بالأضافة الى إنه يجب الخضوع له وحده دون سواه ، كما أن الإنسان في جميع تلك الديانات لم يقرن الاله بالشر وأنما اناط به كل افعال الخير ، وانه طالما نال تلك الخيرات افاض بالشكر والأمتنان للرب ، ولكنه أيضا يلوذ به لضعفه ليعينه ويساعده في محنته ، فالقوة العليا كانت على الدوام العمود الفقري للبدايات في الديانات الأولى للأنسان ، وجميع ما يتم تشريعه وصياغته من اجل الحياة الإنسانية وتنظم حياة الناس .

وعلى هذا الأساس فأن المحبة قاسم مشترك يتزامن مع الاعتقاد بوحدانية الله في كل البدايات ، تنسجم مع أستمرار الحياة البشرية ، وكل ما سواها طاريء ولايمت للديانات بشيء ، مع أن كل الأديان كانت تأخذ الواحدة من الأخرى ما يتعلق بالتنظيم ، غير أن عددا من تلك الديانات بقيت على ما ثبت لديها من تشريعات سواء منها المكتوبة أو المحفوظة شفاها كما عند الأيزيدية .

وحيث أن الله هو الذي خلق الإنسان وأكرمه وفضله على عديد من المخلوقات ، ومنحه العقل ليفكر ويحيا بمحبة ، فأن الاعتقاد بتلك الأديان وسائل تنسجم مع العقل البشري لأثبات الأيمان بالله وبرسالاته السماوية وبأديانه البشرية ، وجميعها تدعو للسلام والمحبة والتآخي والتعارف والتواصل والانسجام .

الهوامش

(1) سليمان مظهر – قصة الديانات – مطبعة مدبولي القاهرة 2002 الطبعة الأولى